اللغة الأم... لغة الوطن

| عبدعلي الغسرة

الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬يولد‭ ‬في‭ ‬بيئته‭ ‬الجغرافية‭ ‬الطبيعية‭ ‬ويعيش‭ ‬تحت‭ ‬كنف‭ ‬أسرته،‭ ‬فيتعلم‭ ‬لغته‭ ‬الأصلية‭ ‬منها‭ ‬والعادات‭ ‬والتقاليد،‭ ‬وقد‭ ‬يولد‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬أسرته‭ ‬الأصلية‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأسرة‭ ‬قد‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬أجنبية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأسرة‭ ‬تتحدث‭ ‬مع‭ ‬أبنائها‭ ‬بلغتها‭ ‬الأصلية‭ ‬بجانب‭ ‬لغات‭ ‬تلك‭ ‬البلدان،‭ ‬فلغة‭ ‬الإنسان‭ ‬الأصلية‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬هويته‭ ‬الشخصية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬والوطنية،‭ ‬وإذا‭ ‬ابتعد‭ ‬عن‭ ‬لغته‭ ‬سيجلب‭ ‬انعكاسًا‭ ‬سلبيًا‭ ‬عليها،‭ ‬وقد‭ ‬يتخلى‭ ‬عنها‭ ‬شيئا‭ ‬فشيئًا‭ ‬وينتسب‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬ُولد‭ ‬وعاش‭ ‬فيه‭. ‬وإن‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يتكلم‭ ‬بلغته‭ ‬الأصلية‭ ‬فيصعب‭ ‬عليه‭ ‬ذلك،‭ ‬وقد‭ ‬يستغرق‭ ‬سنوات‭ ‬ليكون‭ ‬بمستوى‭ ‬نظرائه‭ ‬من‭ ‬الناطقين‭ ‬بلغته‭ ‬الأم،‭ ‬فالإنسان‭ ‬في‭ ‬وطنه‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬لغوي‭ ‬صحيح،‭ ‬تحدثًا‭ ‬وتعلمًا‭ ‬وحياة،‭ ‬فينمو‭ ‬طفلًا‭ ‬فشابًا‭ ‬متحدثًا‭ ‬بلغته،‭ ‬وهي‭ ‬تجربة‭ ‬اجتماعية‭ ‬ثقافية‭ ‬يستقي‭ ‬فيها‭ ‬معالم‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬يريدها‭.‬

وفقدت‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬كفاءتها‭ ‬لعدم‭ ‬تحدث‭ ‬أهلها‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بقواعدها‭ ‬الأساسية،‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬أراد‭ ‬التوظف‭ ‬في‭ ‬الأقطار‭ ‬العربية‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يُجيد‭ ‬إحدى‭ ‬اللغات‭ ‬الأجنبية‭ ‬تحدثًا‭ ‬وكتابة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المدارس‭ ‬الخاصة‭ ‬والأجنبية‭ ‬لا‭ ‬تستخدم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬مناهجها،‭ ‬فلغة‭ ‬الأم‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬كارتباط‭ ‬ثقافي‭ ‬وتعليمي‭ ‬وقيمي‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تعني‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬الوطن،‭ ‬فبها‭ ‬يُعبر‭ ‬بطلاقة‭ ‬عن‭ ‬ذاته‭ ‬لأنها‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬هويته‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينسلخ‭ ‬عنها،‭ ‬والميراث‭ ‬الذي‭ ‬اكتسبه‭ ‬من‭ ‬عائلته‭ ‬وسيعود‭ ‬لاحقًا‭ ‬إلى‭ ‬أبنائه‭ ‬وأحفاده‭.‬

اللغة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬أبهرت‭ ‬العالم‭ ‬بفصاحتها‭ ‬وقوة‭ ‬بلاغتها‭ ‬وحُسن‭ ‬جمالها،‭ ‬هي‭ ‬تعبير‭ ‬صادق‭ ‬عن‭ ‬هويتنا‭ ‬العربية،‭ ‬فالكثير‭ ‬من‭ ‬الأبناء‭ ‬لا‭ ‬يهتمون‭ ‬بها،‭ ‬وبدأوا‭ ‬يتحدثون‭ ‬باللغات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬تعلم‭ ‬هذه‭ ‬اللغات‭ ‬قد‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬التواصل‭ ‬الفاعل‭ ‬مع‭ ‬الشعوب‭ ‬الأخرى‭ ‬الذي‭ ‬بسببه‭ ‬تحول‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬قرية‭ ‬صغيرة‭ ‬كثرت‭ ‬فيها‭ ‬المؤثرات‭ ‬والتفاعلات‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أجنبي،‭ ‬ولا‭ ‬يمنع‭ ‬أن‭ ‬يستعين‭ ‬الإنسان‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬لغة‭ ‬كثقافة‭ ‬عامة‭ ‬وللتعامل‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬وفي‭ ‬المجال‭ ‬العلمي‭ ‬والتجاري‭.‬

التخلي‭ ‬عن‭ ‬قواعد‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وأصولها‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬إضعافها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬ضعف‭ ‬اللغة‭ ‬تبين‭ ‬في‭ ‬افتقار‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الكتابة‭ ‬بلغتهم‭ ‬الأم،‭ ‬فلننهض‭ ‬ولننقذ‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬وقواعد‭ ‬لغتنا‭ ‬العربية‭.‬