ليلة في مسرح الدانة

| د. عبدالله الحواج

لم‭ ‬تكن‭ ‬مسرحية‭ ‬أو‭ ‬أمسية‭ ‬شعرية،‭ ‬لكنه‭ ‬حفل‭ ‬تخريج‭ ‬الفوجين‭ ‬الخامس‭ ‬عشر‭ ‬والسادس‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬طلبة‭ ‬الجامعة‭ ‬الأهلية،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الثلاثة‭ ‬آلاف‭ ‬مشارك،‭ ‬هو‭ ‬العدد‭ ‬الذي‭ ‬يفيض‭ ‬عن‭ ‬مساحة‭ ‬المكان‭ ‬والزمان،‭ ‬لكنه‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬يحدث‭ ‬دويًا‭ ‬عميقًا‭ ‬في‭ ‬القلوب،‭ ‬وأثرًا‭ ‬أعمق‭ ‬في‭ ‬النفوس،‭ ‬هو‭ ‬الحضور‭ ‬الذي‭ ‬يتسم‭ ‬بنتيجة‭ ‬التفوق،‭ ‬ويحفظ‭ ‬عن‭ ‬ظهر‭ ‬قلب‭ ‬ما‭ ‬تلقيناه‭ ‬من‭ ‬عبر‭ ‬ودروس‭ ‬وعلوم‭ ‬وفنون‭ ‬ومعارف‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬الزمان‭.‬

ليلة‭ ‬الثاني‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬ديسمبر‭ ‬الماضي‭ ‬سوف‭ ‬أظل‭ ‬أذكرها‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬من‭ ‬العمر،‭ ‬فهي‭ ‬ليلة‭ ‬مثلما‭ ‬لقبها‭ ‬البعض‭ ‬بأنها‭ ‬“لن‭ ‬تُنسى”،‭ ‬وأنا‭ ‬أكررها‭ ‬إنها‭ ‬ليلة‭ ‬لا‭ ‬تُنسى،‭ ‬ليس‭ ‬لأن‭ ‬الجامعة‭ ‬الأهلية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬نظمتها‭ ‬مطلقة‭ ‬حمامات‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬سماوات‭ ‬مسرح‭ ‬الدانة‭ ‬الفسيح،‭ ‬ولكن‭ ‬لأن‭ ‬أداء‭ ‬مجتمعنا‭ ‬ممثلًا‭ ‬في‭ ‬“الأهلية”،‭ ‬ورقي‭ ‬وطننا‭ ‬متجسدًا‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬وطنية‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬شحذ‭ ‬الهمم،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬خلق‭ ‬في‭ ‬الأجواء‭ ‬قوة‭ ‬ناعمة‭ ‬بازغة‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬هذا‭ ‬المكان،‭ ‬ومن‭ ‬عمق‭ ‬هذه‭ ‬الجامعة‭.‬

إن‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬ليس‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬وظيفة،‭ ‬أو‭ ‬اعتلاء‭ ‬أرقى‭ ‬المواقع،‭ ‬أو‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬أعلى‭ ‬الرواتب،‭ ‬لكنه‭ ‬الارتقاء‭ ‬بالمجتمع،‭ ‬صناعة‭ ‬الحضارة‭ ‬التي‭ ‬تبني‭ ‬ولا‭ ‬تهدم،‭ ‬تصون‭ ‬ولا‭ ‬تبدد،‭ ‬وهي‭ ‬معول‭ ‬الخلق،‭ ‬وأداته‭ ‬العازمة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬الطبيعة،‭ ‬والتعايش‭ ‬معها،‭ ‬وسبر‭ ‬أغوارها،‭ ‬وتوطين‭ ‬إبداعاتها‭.‬

إنها‭ ‬الجامعة‭ ‬الأهلية‭ ‬بمجلس‭ ‬إدارتها‭ ‬الذي‭ ‬حرص‭ ‬برئاسة‭ ‬الأخ‭ ‬العزيز‭ ‬فاروق‭ ‬المؤيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يواجه‭ ‬معنا‭ ‬التحديات،‭ ‬وأن‭ ‬يتحمل‭ ‬الكثير‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الارتقاء‭ ‬بالفكرة،‭ ‬وهي‭ ‬الهيئتان‭ ‬الأكاديمية‭ ‬والإدارية‭ ‬وجميع‭ ‬منتسبي‭ ‬الجامعة‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يدخروا‭ ‬جهدًا‭ ‬إلا‭ ‬وبذلوه،‭ ‬ولم‭ ‬يبخلوا‭ ‬بعرق‭ ‬إلا‭ ‬وقدموه،‭ ‬ولم‭ ‬يترددوا‭ ‬في‭ ‬مفترق‭ ‬طريق‭ ‬إلا‭ ‬وكان‭ ‬الاختيار‭ ‬هو‭ ‬طريق‭ ‬“الأهلية”،‭ ‬فمنها‭ ‬وإليها‭ ‬تنطلق‭ ‬المواهب‭ ‬وتتجلى‭ ‬العقول،‭ ‬ويفصح‭ ‬أبناء‭ ‬الوطن‭ ‬عن‭ ‬مكنونهم‭ ‬المبدع،‭ ‬وعن‭ ‬معدنهم‭ ‬الأصيل‭.‬

ولعلي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬العجالة‭ ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬عن‭ ‬الجامعة‭ ‬الأهلية‭ ‬فأكون‭ ‬منحازًا‭ ‬لها‭ ‬بحكم‭ ‬طبائع‭ ‬الأشياء،‭ ‬لكنني‭ ‬استخلصت‭ ‬منها‭ ‬نموذجًا‭ ‬وطنيًا‭ ‬يمكن‭ ‬البناء‭ ‬عليه،‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬المناسبات‭ ‬السعيدة‭ ‬فحسب،‭ ‬إنما‭ ‬في‭ ‬تجسيد‭ ‬جهود‭ ‬20‭ ‬سنة‭ ‬مضت‭ ‬واختصارها‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬ساعات‭ ‬هي‭ ‬عمر‭ ‬الحفل‭ ‬البهيج‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬اللامحدود‭ ‬والرعاية‭ ‬الفائقة‭ ‬التي‭ ‬يحظى‭ ‬بها‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬عاهل‭ ‬البلاد‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬ومن‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬وكافة‭ ‬المنتمين‭ ‬لهذه‭ ‬المنظومة‭ ‬المباركة‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نحقق‭ ‬هذا‭ ‬الإنجاز،‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬لكرنفال‭ ‬“الأهلية”‭ ‬أن‭ ‬يظهر‭ ‬بهذا‭ ‬المستوى،‭ ‬بل‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬للتزكيات‭ ‬والتقديرات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬حظيت‭ ‬بها‭ ‬الجامعة‭ ‬أن‭ ‬تتحقق،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬نحصل‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬دعم‭ ‬وتأييد‭ ‬وإيمان‭ ‬بالفكرة،‭ ‬يجعلنا‭ ‬حريصين‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬نصل‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬تمام‭ ‬المواعيد،‭ ‬وأن‭ ‬نلبي‭ ‬نداء‭ ‬الوطن‭ ‬والواجب‭.‬

ونحن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬المباركة‭ ‬نحتفي‭ ‬بالعيد‭ ‬الوطني‭ ‬المجيد‭ ‬وعيد‭ ‬جلوس‭ ‬حضرة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك،‭ ‬اللهم‭ ‬اجعل‭ ‬أيامنا‭ ‬كلها‭ ‬أعيادًا،‭ ‬وأحلامنا‭ ‬كلها‭ ‬حقائق‭ ‬وإنجازات،‭ ‬ومستقبلنا‭ ‬المشرق‭ ‬مشرقًا،‭ ‬مزدهرًا،‭ ‬متقدمًا،‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬المصاعب‭ ‬والتحديات،‭ ‬وعاقدًا‭ ‬العزم‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬نبدأ‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬انتهينا،‭ ‬وأن‭ ‬نبني‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬فات،‭ ‬وكل‭ ‬عام‭ ‬وبحريننا‭ ‬الغالية‭ ‬بألف‭ ‬خير‭.‬