ومضة قلم

معلمون في الذاكرة

| محمد المحفوظ

مر‭ ‬اليوم‭ ‬العالمي‭ ‬للمعلم‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬كبقية‭ ‬الأيام،‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬يذكرنا‭ ‬بمن‭ ‬وهبونا‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة،‭ ‬بالأوفياء‭ ‬الذين‭ ‬نذروا‭ ‬أنفسهم‭ ‬لمحو‭ ‬الجهل‭ ‬وإشاعة‭ ‬النور‭ ‬في‭ ‬عقولنا،‭ ‬كثيرون‭ ‬عبّروا‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعيّ‭ ‬عن‭ ‬امتنانهم‭ ‬بمعلميهم‭ ‬ومعلماتهم،‭ ‬وعدوها‭ ‬من‭ ‬أجمل‭ ‬الأيام‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تغادر‭ ‬بئر‭ ‬الذاكرة‭. ‬

“كل‭ ‬عام‭ ‬وأنتم‭ ‬طيبون”،‭ ‬هذا‭ ‬أقل‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نقدمه‭ ‬للهيئات‭ ‬التعليمية‭ ‬من‭ ‬معلمين‭ ‬ومعلمات‭ ‬في‭ ‬يومهم،‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬عبارات‭ ‬التهنئة‭ ‬وكلمات‭ ‬الشكر‭ ‬والعرفان‭ ‬كافية،‭ ‬وكل‭ ‬حلمهم،‭ ‬لكنها‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬أحلامهم،‭ ‬إنها‭ ‬مجرد‭ ‬مؤشر‭ ‬بالغ‭ ‬الدلالة‭ ‬لما‭ ‬يكنه‭ ‬من‭ ‬كانوا‭ ‬تلامذة‭ ‬لهم‭ ‬ذات‭ ‬يوم،‭ ‬ويكفيهم‭ ‬فخرا‭ ‬أنّ‭ ‬رسالتهم‭ ‬قاربت‭ ‬مهمة‭ ‬الأنبياء‭ ‬والرسل‭ ‬في‭ ‬سموها،‭ ‬ومهما‭ ‬قدم‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬هدايا‭ ‬فإنها‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬ضئيلة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬قيست‭ ‬بحجم‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬تشرفوا‭ ‬بحملها‭ ‬وناءت‭ ‬من‭ ‬حملها‭ ‬الجبال‭.‬

من‭ ‬منا‭ ‬لا‭ ‬يتذكر‭ ‬معلميه؟‭ ‬من‭ ‬منا‭ ‬لا‭ ‬يقف‭ ‬إجلالاً‭ ‬أمام‭ ‬عطاءاتهم‭ ‬وتضحياتهم؟‭ ‬كثيرون‭ ‬كانوا‭ ‬وبلا‭ ‬مبالغة‭ ‬في‭ ‬زيّ‭ ‬أنبياء،‭ ‬أتذكر‭ ‬أننا‭ ‬كنا‭ ‬نقف‭ ‬لهم‭ ‬احتراما‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬يدخلوا‭ ‬الفصل،‭ ‬ولا‭ ‬يجرؤ‭ ‬أحد‭ ‬على‭ ‬الجلوس‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬الإشارة‭ ‬من‭ ‬أيديهم،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬بعضنا‭ ‬أو‭ ‬الأغلبية‭ ‬منا‭ ‬لا‭ ‬يبرح‭ ‬ذاكرتهم‭ ‬معلم‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يغيب‭ ‬عن‭ ‬ذاكرتي‭ ‬أحد‭ ‬هؤلاء‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬العقود،‭ ‬سكنني‭ ‬واستوطنني‭ ‬بأناقته‭ ‬ومناقبه‭ ‬العالية‭ ‬وبلغته‭ ‬المختلفة،‭ ‬كان‭ ‬يأسرنا‭ ‬نحن‭ ‬طلبة‭ ‬المرحلة‭ ‬الابتدائية‭ ‬بلغته‭ ‬فنتابعه‭ ‬بدهشة،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬معلما‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬أبا‭ ‬وصديقا‭ ‬وباختصار‭ ‬كان‭ ‬واحدا‭ ‬منّا،‭ ‬كان‭ ‬بشوشا‭ ‬على‭ ‬الدوام،‭ ‬ورغم‭ ‬شح‭ ‬مصادر‭ ‬المعرفة‭ ‬آنذاك‭ ‬إلاّ‭ ‬أنّه‭ ‬بين‭ ‬آونة‭ ‬وأخرى‭ ‬يسرد‭ ‬علينا‭ ‬معلومات‭ ‬تنم‭ ‬عن‭ ‬ثقافته‭ ‬وسعة‭ ‬اطلاعه‭.‬

وبالمناسبة‭ ‬تحضرني‭ ‬قصة‭ ‬لأحد‭ ‬المعلمين‭ ‬المبدعين‭ ‬عندما‭ ‬سأل‭ ‬كل‭ ‬طالب‭ ‬ماذا‭ ‬تحب‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬عندما‭ ‬تكبر؟‭ ‬فكانت‭ ‬الأمنيات‭ ‬بين‭ ‬طبيب‭ ‬ومهندس‭ ‬ومعلم،‭ ‬فأعاد‭ ‬توزيعهم‭ ‬حسب‭ ‬مهن‭ ‬أحلامهم‭ ‬وكتب‭ ‬لقب‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬دفاترهم،‭ ‬وبدأ‭ ‬يمارس‭ ‬مهنته‭ ‬كمعلم،‭ ‬وبالطبع‭ ‬كان‭ ‬بينهم‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يكتب‭ ‬الواجب‭ ‬أو‭ ‬يهمل‭ ‬في‭ ‬الدراسة،‭ ‬لكن‭ ‬المعلم‭ ‬لم‭ ‬يشهر‭ ‬العصا‭ ‬أمامهم،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬يسحب‭ ‬اللقب‭ ‬أي‭ ‬يسحب‭ ‬منهم‭ ‬حلمهم‭ ‬وبهذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬ارتفع‭ ‬مستواهم‭ ‬وأحبوا‭ ‬الصف‭ ‬والدراسة‭ ‬والمدرسة‭.‬