واشنطن وسياسة التحالفات

| بدور عدنان

تخوض‭ ‬واشنطن‭ ‬منذ‭ ‬بزوغ‭ ‬نجمها‭ ‬كدولة‭ ‬عظمى‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬حروبها‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬المستويات،‭ ‬حيث‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬جميع‭ ‬الطرق‭ ‬والاستراتيجيات‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬ضمان‭ ‬تفوقها‭ ‬وبقائها‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭.‬

سياسة‭ ‬الأحلاف‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أنجح‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬التي‭ ‬انتهجتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لإخضاع‭ ‬خصومها،‭ ‬وفي‭ ‬الحقيقة‭ ‬أثبتت‭ ‬هذه‭ ‬المنهجية‭ ‬فاعليتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬حققته‭ ‬سياسة‭ ‬الاحتواء‭ ‬التي‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬سقوط‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬عندما‭ ‬قامت‭ ‬واشنطن‭ ‬بالتحالف‭ ‬مع‭ ‬غرب‭ ‬القارة‭ ‬الأوروبية‭ ‬تحت‭ ‬منظومة‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬لتطويق‭ ‬موسكو‭ ‬من‭ ‬الغرب،‭ ‬بعدها‭ ‬عادت‭ ‬لدعم‭ ‬ورعاية‭ ‬تشكيل‭ ‬حلف‭ ‬بغداد‭ ‬الذي‭ ‬ضم‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬والعراق‭ ‬وباكستان‭ ‬وإيران‭ ‬وتركيا‭ ‬لضمان‭ ‬وجودها‭ ‬على‭ ‬التخوم‭ ‬الشرقية‭ ‬للاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬وإيقاف‭ ‬المد‭ ‬الشيوعي‭ ‬تجاه‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وبذلك‭ ‬احتوت‭ ‬واشنطن‭ ‬الحدود‭ ‬المترامية‭ ‬للسوفييت‭ ‬ما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬انهيار‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭ ‬وتداعي‭ ‬أعظم‭ ‬أعداء‭ ‬واشنطن‭.‬

لم‭ ‬تغب‭ ‬الصين‭ ‬عن‭ ‬أنظار‭ ‬واشنطن،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تلتقي‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬في‭ ‬العقيدة‭ ‬الشيوعية،‭ ‬لذلك‭ ‬انتهجت‭ ‬واشنطن‭ ‬معها‭ ‬منذ‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬ذات‭ ‬السياسة،‭ ‬إذ‭ ‬شكلت‭ ‬حلف‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭ ‬لضمان‭ ‬حماية‭ ‬مصالحها‭ ‬وتكبيل‭ ‬التمدد‭ ‬الشيوعي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭.‬

وكنتيجة‭ ‬لهذا‭ ‬الاحتواء‭ ‬والحصار‭ ‬تداعى‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬وتصدعت‭ ‬العقيدة‭ ‬الشيوعية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يمنع‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬الصعود‭ ‬كقوة‭ ‬اقتصادية‭ ‬باتت‭ ‬تهدد‭ ‬واشنطن،‭ ‬ما‭ ‬أجبرها‭ ‬على‭ ‬شحذ‭ ‬أسلحتها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التنين‭ ‬الصيني‭. ‬

ولأن‭ ‬سياسة‭ ‬الأحلاف‭ ‬دائماً‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬أقوى‭ ‬الأسلحة‭ ‬التي‭ ‬استعانت‭ ‬بها‭ ‬واشنطن‭ ‬وأثبتت‭ ‬نجاعتها،‭ ‬لجأت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لتعزيز‭ ‬تحالفاتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إحياء‭ ‬تحالف‭ ‬الحوار‭ ‬الأمني‭ ‬الرباعي‭ (‬الكواد‭) ‬الذي‭ ‬شكلته‭ ‬مع‭ ‬اليابان‭ ‬والهند‭ ‬وأستراليا،‭ ‬حيث‭ ‬أقام‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬الماضية‭ ‬مؤتمرا‭ ‬رفيع‭ ‬المستوى‭ ‬حضره‭ ‬قادة‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬للتشاور‭ ‬والتنسيق‭ ‬بغرض‭ ‬تحييد‭ ‬التهديد‭ ‬الصيني،‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬هذا‭ ‬الاجتماع‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أقامت‭ ‬واشنطن‭ ‬حلفا‭ ‬ثلاثيا‭ ‬ضم‭ ‬إلى‭ ‬جانبها‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬وأستراليا‭ ‬التي‭ ‬مدتها‭ ‬واشنطن‭ ‬بغواصات‭ ‬نووية‭ ‬متطورة‭ ‬لذات‭ ‬الغرض‭.‬

مازالت‭ ‬واشنطن‭ ‬تنمي‭ ‬شراكاتها‭ ‬وتعزز‭ ‬تحالفاتها‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬منها‭ ‬لتكبيل‭ ‬ودرء‭ ‬خطر‭ ‬الصين،‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬سيتوجب‭ ‬على‭ ‬بكين‭ ‬مجابهته‭ ‬إما‭ ‬باستخدام‭ ‬نفس‭ ‬الطريقة‭ ‬وتشكيل‭ ‬تحالفات‭ ‬مضادة‭ ‬أو‭ ‬تفكيك‭ ‬وإضعاف‭ ‬تحالفات‭ ‬واشنطن‭ ‬الحالية‭.‬