مُلتقطات

“طعنات” في قلب “أمّ سامي”!

| د. جاسم المحاري

أكثر‭ ‬ما‭ ‬تئنّ‭ ‬له‭ ‬الآفاق،‭ ‬انحسار‭ ‬صنوف‭ ‬الرحمة‭ ‬في‭ ‬مرتكزات‭ ‬التكوين‭ ‬الفطري‭ ‬الإنساني‭ ‬الذي‭ ‬بدا‭ ‬في‭ ‬أيامنا‭ ‬هذه‭ ‬خُلقا‭ ‬نادرا‭ ‬قد‭ ‬شاع‭ ‬بقسوته‭ ‬في‭ ‬دنيا‭ ‬البشر‭ ‬وساكني‭ ‬أقصاها‭ ‬لأقصاها،‭ ‬بانتشار‭ ‬الجرائم‭ ‬والرذائل‭ ‬واستباحة‭ ‬القتل‭ ‬والاقتتال‭ ‬وعظم‭ ‬الدمار‭ ‬والخراب،‭ ‬وسط‭ ‬انحراف‭ ‬واضح‭ ‬عن‭ ‬منهاج‭ ‬الفطرة‭ ‬السليمة‭ ‬وتحجّر‭ ‬القلوب‭ ‬البشرية،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬قلوب‭ ‬فلذات‭ ‬الأكباد‭ ‬على‭ ‬والديهم‭ ‬وتصدّر‭ ‬أبشع‭ ‬الأمور‭ ‬برذيلة‭ ‬“عقوق‭ ‬الوالدين”،‭ ‬وسيادة‭ ‬التمرد‭ ‬على‭ ‬القوانين‭ ‬المجتمعية‭ ‬والفلتان‭ ‬الأخلاقي‭ ‬وزيادة‭ ‬المشكلات‭ ‬السلوكية‭ ‬التي‭ ‬تتعدد‭ ‬في‭ ‬أشكالها‭ ‬بين‭ ‬التطاول‭ ‬على‭ ‬الوالدين‭ ‬بالشتائم‭ ‬والضرب‭ ‬والإهانات،‭ ‬وبين‭ ‬تقديم‭ ‬حاجة‭ ‬دونهما‭ ‬كالزوجة‭ ‬والأولاد‭ ‬وسواهم‭ ‬على‭ ‬حاجات‭ ‬الوالدين،‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬مليئة‭ ‬بالقهر‭ ‬والشقاء،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬سلامة‭ ‬التربية‭ ‬ومكارم‭ ‬الأخلاق‭ ‬التي‭ ‬ترعرعوا‭ ‬عليها‭.‬

من‭ ‬المُحزن‭ ‬في‭ ‬أيامنا‭ ‬الحاضرة،‭ ‬أنْ‭ ‬يُقْدِم‭ ‬الأبناء‭ ‬على‭ ‬إبكاء‭ ‬والديهم‭ ‬أو‭ ‬إدخال‭ ‬الحزن‭ ‬إلى‭ ‬قلوبهم،‭ ‬أو‭ ‬رفع‭ ‬الصوت‭ ‬عليهم،‭ ‬أو‭ ‬تغليظ‭ ‬القول‭ ‬معهم‭ ‬أو‭ ‬نهرهم‭ ‬أو‭ ‬إغضابهم،‭ ‬أو‭ ‬إشاعة‭ ‬الضجر‭ ‬والتأفف‭ ‬والعبوس‭ ‬في‭ ‬وجوههم،‭ ‬وصولاً‭ ‬لاحتقارهم‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬أحداث‭ ‬قصصية‭ ‬مأساوية‭ ‬أليمة‭ ‬مُبكية‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬كقصة‭ ‬“أمّ‭ ‬سامي”،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬هانئة‭ ‬بحياتها‭ ‬السعيدة‭ ‬بمعية‭ ‬بعلها‭ ‬وابنها‭ ‬الوحيد‭ ‬“سامي”،‭ ‬ليأتي‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬تفقد‭ ‬فيه‭ ‬بعلها‭ ‬النجيب‭ ‬وأمان‭ ‬منزلها‭ ‬الرغيب،‭ ‬وتبدأ‭ ‬في‭ ‬تكريس‭ ‬جُلّ‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬حياتها‭ ‬القصيرة‭ ‬إلى‭ ‬ابنها‭ ‬فاقد‭ ‬الأب‭ ‬بقضائها‭ ‬الليالي‭ ‬معه‭ ‬وسهرها‭ ‬الساعات‭ ‬على‭ ‬راحته،‭ ‬حتى‭ ‬أتى‭ ‬محين‭ ‬تخرّجه‭ ‬من‭ ‬الجامعة‭ ‬بتفوقه‭ ‬المُبهر‭ ‬وحصوله‭ ‬على‭ ‬الوظيفة‭ ‬المرموقة،‭ ‬وارتباطه‭ ‬بشريكة‭ ‬حياته‭ ‬الخنوع‭.. ‬هذه‭ ‬الشريكة‭ ‬التي‭ ‬دأبت‭ ‬على‭ ‬“افتعال”‭ ‬الصّدام‭ ‬مع‭ ‬“أمّ‭ ‬سامي”‭ ‬لأتفه‭ ‬الأسباب‭ ‬وأدنى‭ ‬الحجج،‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬أيام‭ ‬تعاقبت‭ ‬فيها‭ ‬التّصرفات‭ ‬حسب‭ ‬سيناريو‭ ‬مأساوي‭ ‬طويل‭ ‬لا‭ ‬يسع‭ ‬ذكر‭ ‬تفاصيله،‭ ‬قد‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬سلبية‭ ‬أعراضها‭ ‬وقوف‭ ‬ابنها‭ ‬الوحيد‭ ‬في‭ ‬“مَصَفّ”‭ ‬زوجته‭ ‬الجحود‭ ‬قبَال‭ ‬أمّه‭ ‬الرؤوم‭ ‬التي‭ ‬انتهى‭ ‬بها‭ ‬المطاف‭ ‬إلى‭ ‬أقرب‭ ‬دار‭ ‬للعجائز‭ ‬إلى‭ ‬أنْ‭ ‬لًقيَت‭ ‬ربها‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يراها‭!‬

نافلة‭: ‬

ما‭ ‬أقسى‭ ‬الألم‭ ‬وما‭ ‬أشدّ‭ ‬مرارته‭ ‬حين‭ ‬يذوق‭ ‬الوالدان‭ ‬صنوف‭ ‬الأذى‭ ‬والنكران‭ ‬من‭ ‬أبنائهما،‭ ‬سيّما‭ ‬بعد‭ ‬أمر‭ ‬الباري‭ ‬جلّ‭ ‬وعلا‭ ‬في‭ ‬محكم‭ ‬التنزيل‭ ‬ببرّهما‭ ‬وحُسن‭ ‬صُحبتهما‭ ‬وإن‭ ‬كانا‭ ‬مُشركين،‭ ‬حتى‭ ‬يلوذوا‭ ‬بتجاوز‭ ‬استحقاق‭ ‬اللّعان،‭ ‬وانتزاع‭ ‬البركة‭ ‬وقلّة‭ ‬الرزق،‭ ‬وحرمان‭ ‬الدعاء،‭ ‬وتعجيل‭ ‬العقوبة‭ ‬في‭ ‬دنياهم‭ ‬قبل‭ ‬آخرتهم،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬حُرمة‭ ‬دخولهم‭ ‬الجنة‭ ‬لما‭ ‬صدر‭ ‬من‭ ‬أذى‭ ‬في‭ ‬قول‭ ‬أو‭ ‬فعل،‭ ‬أو‭ ‬تطاول‭ ‬أو‭ ‬تسخّط‭ ‬أو‭ ‬تمرّد‭ ‬أو‭ ‬عصيان‭ ‬يستوجب‭ ‬لين‭ ‬الكلام‭ ‬وخفض‭ ‬الصوت‭ ‬على‭ ‬أعقاب‭ ‬الجهل‭ ‬بالعواقب‭ ‬وقلة‭ ‬التقدير‭ ‬وقساوة‭ ‬الأبناء‭ ‬وسوء‭ ‬التربية‭ ‬والصحبة‭ ‬السيئة‭.‬