رؤيا مغايرة

جامعاتنا... إلى أين؟!

| فاتن حمزة

مؤخراً‭ ‬انتشرت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الجامعات،‭ ‬منها‭ ‬الجيدة‭ ‬ومنها‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬الربح،‭ ‬خصوصا‭ ‬مع‭ ‬عزوف‭ ‬الطلبة‭ ‬عن‭ ‬الجامعة‭ ‬الحكومية‭ ‬وتفضيلهم‭ ‬الجامعات‭ ‬الخاصة‭ ‬لاعتقادهم‭ ‬أنها‭ ‬تقدم‭ ‬تعليماً‭ ‬متميزاً‭ ‬ومرتفع‭ ‬الجودة‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬التحصيل‭ ‬العلمي،‭ ‬أو‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬الجامعات‭ ‬الخاصة‭ ‬لتلقي‭ ‬خدمات‭ ‬وتسهيلات‭ ‬أسرع‭ ‬وأفضل،‭ ‬ومنها‭ ‬جامعات‭ ‬تسهل‭ ‬على‭ ‬الطلبة‭ ‬مهمة‭ ‬النجاح‭ ‬والوصول‭ ‬إليه‭ ‬بدون‭ ‬تعب‭ ‬أو‭ ‬مجهود،‭ ‬فالأهم‭ ‬بالنسبة‭ ‬لها‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬من‭ ‬أرباح‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الطلبة‭ ‬وجودة‭ ‬التعليم‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬رضاهم‭ ‬كمستهلكين،‭ ‬وهناك‭ ‬أخرى‭ ‬تبذل‭ ‬جهوداً‭ ‬أكثر‭ ‬لرفع‭ ‬معايير‭ ‬التعليم‭ ‬وكسب‭ ‬جهود‭ ‬الطلبة‭ ‬للنجاح‭ ‬وتحسين‭ ‬أدائهم‭ ‬الدراسي‭ ‬لزيادة‭ ‬الإقبال‭ ‬عليها،‭ ‬لكن‭ ‬بأسعار‭ ‬باهظة‭.‬

للأسف‭ ‬كثرة‭ ‬الجامعات‭ ‬اليوم‭ ‬أصبحت‭ ‬تشكل‭ ‬خطرا‭ ‬على‭ ‬جودة‭ ‬التعليم،‭ ‬ما‭ ‬ينعكس‭ ‬على‭ ‬الطلبة‭ ‬وتخريج‭ ‬جيل‭ ‬غير‭ ‬مؤهل‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات،‭ ‬جيل‭ ‬يجهل‭ ‬كيفية‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬حوله‭ ‬من‭ ‬ظروف‭ ‬بشكل‭ ‬صحيح‭ ‬بسبب‭ ‬تلقيه‭ ‬تعليما‭ ‬يستنزف‭ ‬جيبه‭ ‬ولا‭ ‬يقدم‭ ‬له‭ ‬التحصيل‭ ‬العلمي‭ ‬المفيد‭.‬

دول‭ ‬عديدة‭ ‬أعطت‭ ‬للتعليم‭ ‬اهتماما‭ ‬كبيرا،‭ ‬واستطاعت‭ ‬منافسة‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬تقديمها‭ ‬أفضل‭ ‬الأنظمة،‭ ‬ومثال‭ ‬ذلك‭ ‬تفوق‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬القراءة‭ ‬والعلوم‭ ‬والرياضيات،‭ ‬حيث‭ ‬قامت‭ ‬الدولة‭ ‬ببناء‭ ‬هيكل‭ ‬تعليمي‭ ‬شامل‭ ‬مصمم‭ ‬لتقديم‭ ‬التعليم‭ ‬المجاني‭ ‬الجيد‭ ‬لجميع‭ ‬المواطنين،‭ ‬وكذلك‭ ‬فنلندا‭ ‬حيث‭ ‬قامت‭ ‬بتصميم‭ ‬التعليم‭ ‬المبكر‭ ‬حول‭ ‬مفاهيم‭ ‬التعلم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬اللعب‭ ‬لتعزيز‭ ‬النمو‭ ‬المتوازن،‭ ‬ويتم‭ ‬تدريس‭ ‬المرحلة‭ ‬الأساسية‭ ‬لمدة‭ ‬9‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬المعلمين‭ ‬الحاصلين‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬الماجستير،‭ ‬وهدفهم‭ ‬دعم‭ ‬التلاميذ‭ ‬نحو‭ ‬الإنسانية‭ ‬والمجتمع‭ ‬وتزويدهم‭ ‬بالمعرفة‭ ‬والمهارات‭ ‬اللازمة‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬وتنقسم‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية‭ ‬إلى‭ ‬مسارين‭ ‬رئيسيين،‭ ‬عام‭ ‬ومهني،‭ ‬وكلاهما‭ ‬يستغرق‭ ‬نحو‭ ‬3‭ ‬سنوات،‭ ‬إذ‭ ‬يتخذ‭ ‬المسار‭ ‬العام‭ ‬دراسة‭ ‬بحثية‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬ويخضع‭ ‬الطلاب‭ ‬لامتحان‭ ‬تحديد‭ ‬التخصص‭ ‬الجامعي،‭ ‬بينما‭ ‬يركز‭ ‬المسار‭ ‬المهني‭ ‬على‭ ‬تعلم‭ ‬المهن‭ ‬والحرف‭ ‬ويتضمن‭ ‬التلمذة‭ ‬الصناعي‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬التعلم‭ ‬المدرسي،‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬غيرها،‭ ‬كسنغافورة‭ ‬وسويسرا‭ ‬والسويد،‭ ‬نأمل‭ ‬أن‭ ‬نحذو‭ ‬حذوهم‭ ‬ونقتدي‭ ‬بهم‭ ‬لنتمكن‭ ‬من‭ ‬إعداد‭ ‬جيل‭ ‬واعد‭. ‬علينا‭ ‬اليوم‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬رفع‭ ‬إنتاجية‭ ‬وأداء‭ ‬التعليم‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬انتشار‭ ‬الجامعات‭ ‬التجارية‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬لتعظيم‭ ‬الأرباح‭ ‬دون‭ ‬الاهتمام‭ ‬بجودة‭ ‬التعليم‭ ‬ومصلحة‭ ‬الطالب،‭ ‬وذلك‭ ‬لتحقيق‭ ‬الطموحات‭ ‬المأمولة‭ ‬لمستقبل‭ ‬أفضل‭.‬

أصبح‭ ‬الأمر‭ ‬يتطلب‭ ‬وقفة‭ ‬متأنية‭ ‬ودراسة‭ ‬كيفية‭ ‬منع‭ ‬الجامعات‭ ‬الرديئة‭ ‬من‭ ‬ممارسة‭ ‬نشاطها‭ ‬واعتماد‭ ‬الجامعات‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬مستوى‭ ‬تعليميا‭ ‬عاليا،‭ ‬أتمنى‭ ‬لو‭ ‬يتم‭ ‬الاهتمام‭ ‬أكثر‭ ‬بالجامعة‭ ‬الحكومية‭ ‬وتعديل‭ ‬مستواها‭ ‬وإمكانياتها‭ ‬وتقليل‭ ‬تكاليفها‭ ‬لتخفيف‭ ‬العبء‭ ‬على‭ ‬الطلبة‭ ‬وحصولهم‭ ‬على‭ ‬الجودة‭ ‬بأسعار‭ ‬تنافسية‭ ‬وفي‭ ‬متناول‭ ‬الجميع‭.‬

نأمل‭ ‬أن‭ ‬نولي‭ ‬التعليم‭ ‬اهتماما‭ ‬أكبر‭ ‬لخلق‭ ‬جيل‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬وتقديم‭ ‬أفضل‭ ‬المستويات‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬علينا‭ ‬بالنفع‭ ‬وعلى‭ ‬وطننا‭ ‬الغالي‭.‬