زبدة القول

أغرب انقلاب في التاريخ

| د. بثينة خليفة قاسم

صحونا‭ ‬من‭ ‬نومنا‭ ‬على‭ ‬أغرب‭ ‬نبأ‭ ‬تلقيناه،‭ ‬ليس‭ ‬خلال‭ ‬اليوم‭ ‬أو‭ ‬الشهر،‭ ‬لكن‭ ‬خلال‭ ‬العام‭ ‬كله،‭ ‬وهو‭ ‬نبأ‭ ‬محاولة‭ ‬الانقلاب‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬الشقيق،‭ ‬والتي‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬أغرب‭ ‬محاولة‭ ‬انقلاب‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬لأنها‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬توقيت‭ ‬غريب‭ ‬وبشكل‭ ‬ساذج‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬سذاجة‭ ‬الذين‭ ‬قاموا‭ ‬بهذه‭ ‬المحاولة،‭ ‬ممن‭ ‬تعاملوا‭ ‬مع‭ ‬المسألة‭ ‬وكأنها‭ ‬لعبة،‭ ‬وتخيلوا‭ ‬أن‭ ‬العملية‭ ‬ستنفذ‭ ‬بكل‭ ‬سهولة‭ ‬وتتم‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مقدرات‭ ‬الدولة‭ ‬والعودة‭ ‬بكل‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬الصفر‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬يكافح‭ ‬لكي‭ ‬يقوم‭ ‬ويقف‭ ‬على‭ ‬قدميه‭.‬

لقد‭ ‬استطاع‭ ‬السودان‭ ‬بشق‭ ‬الأنفس‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية‭ ‬أن‭ ‬يصلح‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬دمره‭ ‬نظام‭ ‬البشير‭ ‬الذي‭ ‬أخر‭ ‬البلاد‭ ‬وعزلها‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬وجعلها‭ ‬تحت‭ ‬حصار‭ ‬وعقوبات‭ ‬دائمة،‭ ‬فعلى‭ ‬ماذا‭ ‬حاولت‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬الغريبة‭ ‬الانقلاب؟‭ ‬هل‭ ‬حاولت‭ ‬الانقلاب‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬نفسه؟‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬سيقوله‭ ‬هؤلاء‭ ‬البشر‭ ‬للعالم‭ ‬والجيران‭ ‬والدول‭ ‬العربية؟‭ ‬ما‭ ‬الذريعة‭ ‬أو‭ ‬الدافع‭ ‬الذي‭ ‬سيستند‭ ‬إليه‭ ‬هؤلاء‭ ‬ويعلنونه‭ ‬للدنيا‭ ‬كمبرر‭ ‬لهذا‭ ‬التحرك‭ ‬الذي‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬مصدر‭ ‬للضحك‭ ‬والتهكم‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬عرف‭ ‬به،‭ ‬هل‭ ‬المبرر‭ ‬هو‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬وقف‭ ‬عجلة‭ ‬التغيير‭ ‬وبناء‭ ‬الدولة‭ ‬السودانية‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬جديدة؟

رأينا‭ ‬ثورات‭ ‬وانقلابات‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬أنظمة‭ ‬طال‭ ‬بقاؤها‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬ظروف‭ ‬اجتماعية‭ ‬معينة‭ ‬تبرر‭ ‬لأصحاب‭ ‬الثورة‭ ‬أو‭ ‬أصحاب‭ ‬الانقلاب‭ ‬ما‭ ‬قاموا‭ ‬به،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانوا‭ ‬كاذبين،‭ ‬لكننا‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬نرى‭ ‬انقلابا‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬للتو‭ ‬يولد‭!‬

بلا‭ ‬شك‭ ‬سوف‭ ‬تتم‭ ‬محاكمة‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬الغريبة‭ ‬من‭ ‬الضباط‭ ‬لمحاولتهم‭ ‬عرقلة‭ ‬تقدم‭ ‬الدولة‭ ‬السودانية‭ ‬ومحاولة‭ ‬تدمير‭ ‬إنجازات‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬ووأد‭ ‬طموحاته‭ ‬المشروعة،‭ ‬لكنني‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬تضاف‭ ‬إليهم‭ ‬تهمة‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬هذه‭ ‬التهم،‭ ‬وهي‭ ‬التهمة‭ ‬التي‭ ‬استخدمها‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬الرئيس‭ ‬المصري‭ ‬الأسبق‭ ‬محمد‭ ‬أنور‭ ‬السادات‭ ‬وهي‭ ‬تهمة‭ ‬الغباء‭ ‬السياسي،‭ ‬وتهمة‭ ‬الغباء‭ ‬السياسي‭ ‬هنا‭ ‬واضحة‭ ‬المعالم،‭ ‬فهذه‭ ‬المجموعة‭ ‬الانقلابية‭ ‬لم‭ ‬تنظر‭ ‬حولها‭ ‬ولم‭ ‬تتجهز‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الأشكال‭ ‬لكي‭ ‬ينجح‭ ‬انقلابها‭ ‬ويستمر‭ ‬لمدة‭ ‬نصف‭ ‬ساعة‭.‬

وعلى‭ ‬أية‭ ‬حال،‭ ‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬أن‭ ‬المحاولة‭ ‬جاءت‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬رغم‭ ‬فشلهم‭ ‬سيضعون‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬حاليا‭ ‬أمام‭ ‬مراجعة‭ ‬ضرورية‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬الأمور،‭ ‬وإعادة‭ ‬الفرز‭ ‬والتدقيق‭ ‬والغربلة‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭.‬