“الوطني” السعودي

| د. عبدالله الحواج

احتفت‭ ‬الأمة‭ ‬في‭ ‬الثالث‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬الجاري‭ ‬باليوم‭ ‬الوطني‭ ‬للشقيقة‭ ‬الكبرى‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬لم‭ ‬يقتصر‭ ‬الاحتفاء‭ ‬بذكرى‭ ‬توحيد‭ ‬الملك‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬آل‭ ‬سعود‭ ‬طيب‭ ‬الله‭ ‬ثراه‭ ‬للجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬الوطن‭ ‬الأم،‭ ‬لكنه‭ ‬امتد‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬المنطقة،‭ ‬إلى‭ ‬الأثر‭ ‬والتأثير‭ ‬الذي‭ ‬تركه‭ ‬الملك‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬أبناء‭ ‬أمته،‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬لم‭ ‬الشمل،‭ ‬ورأب‭ ‬الأصداع،‭ ‬وأهمية‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لعرب‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬كلمتهم‭ ‬الموحدة،‭ ‬وثقافتهم‭ ‬الواحدة،‭ ‬ووطنهم‭ ‬المترابط‭ ‬القوي،‭ ‬ومواقفهم‭ ‬الوطنية‭ ‬الرائعة‭.‬

وبالفعل‭ ‬سجل‭ ‬التاريخ‭ ‬ملحمة‭ ‬العاهل‭ ‬السعودي‭ ‬الراحل‭ ‬بأحرف‭ ‬من‭ ‬نور،‭ ‬وأصبح‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬مثلًا‭ ‬يحتذى‭ ‬لرجل‭ ‬مضى‭ ‬على‭ ‬هدى‭ ‬أجداده‭ ‬الطيبين،‭ ‬واتجه‭ ‬نحو‭ ‬أبناء‭ ‬أمته‭ ‬حاملًا‭ ‬مشعل‭ ‬الوطنية‭ ‬والفكر‭ ‬والتراحم‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب‭ ‬الواحد‭ ‬والدين‭ ‬الواحد‭ ‬واللغة‭ ‬الواحدة‭.‬

لقد‭ ‬عاش‭ ‬الملك‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬وتفوق‭ ‬وصمد‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬أشرس‭ ‬الظروف،‭ ‬وأحلك‭ ‬الأزمنة،‭ ‬قاوم‭ ‬ضيق‭ ‬اليد،‭ ‬وضعف‭ ‬الموارد،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬نفط‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬موارده‭ ‬وعائداته،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬ثروات‭ ‬مدفونة‭ ‬في‭ ‬باطن‭ ‬الأرض،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬إرادة‭ ‬من‭ ‬حديد،‭ ‬إيمان‭ ‬بالله،‭ ‬وبالشعب‭ ‬وبالوطن،‭ ‬إصرار‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬التحدي‭ ‬وأي‭ ‬تحدٍّ‭.‬

وبالفعل‭ ‬نجح‭ ‬ملك‭ ‬التوحيد‭ ‬السعودي‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يلملم‭ ‬أطراف‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة،‭ ‬وأن‭ ‬يجمع‭ ‬الشتات‭ ‬المتقطعة‭ ‬أوصاله،‭ ‬شرقًا‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬الصحراء،‭ ‬وغربًا‭ ‬بامتداد‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬والحجاز‭ ‬وشمالًا‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬أراضي‭ ‬الشام‭ ‬وباديته‭ ‬العظمى،‭ ‬ثم‭ ‬جنوبًا‭ ‬باتجاه‭ ‬اليمن‭ ‬السعيد‭ ‬وجباله‭ ‬الشاهقة‭ ‬ووعورة‭ ‬طبيعته‭ ‬الفائقة،‭ ‬وصعوبة‭ ‬تضاريسه‭ ‬المحلقة‭.‬

لقد‭ ‬نجح‭ ‬الملك‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭ ‬زعيم‭ ‬من‭ ‬قبله،‭ ‬رغم‭ ‬مستحيلات‭ ‬الظروف،‭ ‬ورغم‭ ‬لوغاريتمات‭ ‬الطبيعة‭ ‬الشرسة،‭ ‬ورغم‭ ‬شح‭ ‬الموارد‭ ‬وغيبية‭ ‬المردود‭.‬

وها‭ ‬نحن‭ ‬اليوم‭ ‬نحتفي‭ ‬بالعيد‭ ‬الـ91‭ ‬لتوحيد‭ ‬شئون‭ ‬الأمة،‭ ‬لقيام‭ ‬مملكة‭ ‬عربية‭ ‬سعودية‭ ‬لا‭ ‬تغرب‭ ‬عنها‭ ‬الشمس،‭ ‬وتتحدث‭ ‬عنها‭ ‬جميع‭ ‬الأمم‭ ‬بفخر‭ ‬واعتراف‭ ‬بالدور‭ ‬والدولة‭ ‬والتاريخ‭ ‬والقيمة‭.‬

ها‭ ‬هو‭ ‬ذا‭ ‬الأثر‭ ‬الممتد‭ ‬من‭ ‬عصر‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬إلى‭ ‬مملكة‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز،‭ ‬ومن‭ ‬بدايات‭ ‬أيام‭ ‬النهضة‭ ‬إلى‭ ‬أيام‭ ‬الازدهار‭ ‬والاستقرار‭ ‬وإرساء‭ ‬معالم‭ ‬الحضارة‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬بقاع‭ ‬المملكة‭ ‬المجيدة‭.‬

وها‭ ‬هو‭ ‬ذا‭ ‬الدرس‭ ‬العظيم‭ ‬يأتي‭ ‬إلينا‭ ‬من‭ ‬بني‭ ‬جلدتنا،‭ ‬من‭ ‬تجربة‭ ‬زعيم‭ ‬يفهم‭ ‬في‭ ‬قوة‭ ‬شعبه،‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬أمته،‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬بنيه،‭ ‬فأسس‭ ‬في‭ ‬المهد‭ ‬دولة،‭ ‬وبنى‭ ‬على‭ ‬أمجاد‭ ‬أجداده‭ ‬وطن،‭ ‬وأقام‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬فات‭ ‬صروحًا‭ ‬وإنجازات‭ ‬لا‭ ‬تغرب‭ ‬عنها‭ ‬الشمس‭.‬

ويأتي‭ ‬العيد‭ ‬الوطني‭ ‬السعودي‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬والأمة‭ ‬بل‭ ‬والعالم‭ ‬يكاد‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬عنق‭ ‬زجاجة‭ ‬أعتى‭ ‬جائحة‭ ‬جثمت‭ ‬على‭ ‬الكون‭ ‬وأصابت‭ ‬الاقتصاد‭ ‬في‭ ‬مقتل،‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬ألهمت‭ ‬قيادات‭ ‬المنطقة‭ ‬وشعبها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العبر،‭ ‬وأطلقت‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬مكنون‭ ‬التراث‭ ‬إرادة‭ ‬من‭ ‬ذهب،‭ ‬فاستثمرنا‭ ‬الجائحة‭ ‬وأدخلنا‭ ‬علوم‭ ‬التواصل‭ ‬عن‭ ‬بُعد،‭ ‬والتعليم‭ ‬والتعلم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقنيات‭ ‬الأون‭ ‬لاين‭ ‬والتيمز‭ ‬وغيرها،‭ ‬وأصبحنا‭ ‬نحاكي‭ ‬أمهات‭ ‬العلوم‭ ‬والفنون‭ ‬والآداب‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المعترك،‭ ‬يد‭ ‬تكافح‭ ‬الوباء،‭ ‬وأخرى‭ ‬تُشيّد‭ ‬للبناء،‭ ‬وبالفعل‭ ‬نجحنا‭ ‬ونجحت‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬في‭ ‬مصاف‭ ‬الأمم‭ ‬المتقدمة،‭ ‬بل‭ ‬وتفوقنا‭ ‬عليها؛‭ ‬نظرًا‭ ‬لإيمان‭ ‬قادتنا‭ ‬وشعوبنا‭ ‬بأن‭ ‬مواجهة‭ ‬الجائحة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬إلا‭ ‬لو‭ ‬كنا‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬رجل‭ ‬واحد،‭ ‬وإلا‭ ‬لو‭ ‬كنا‭ ‬بحجم‭ ‬التحدي‭ ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬المسئولية،‭ ‬نفهم‭ ‬في‭ ‬محاكاة‭ ‬الطبيعة‭ ‬وغدرها،‭ ‬وفي‭ ‬روابط‭ ‬الجغرافيا‭ ‬وامتداداتها،‭ ‬وفي‭ ‬أواصر‭ ‬المحبة‭ ‬بين‭ ‬الشعب‭ ‬الواحد‭ ‬المجتهد‭ ‬وتاريخه‭ ‬النوراني‭ ‬الطويل‭.‬

ونحمد‭ ‬الله‭ ‬ونشكر‭ ‬فضله‭ ‬أننا‭ ‬نحتفي‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬كأمة‭ ‬بعيد‭ ‬تأسيس‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬الشقيقة‭ ‬وجميعنا‭ ‬بعون‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬صحة‭ ‬وسلام‭ ‬وسلامة،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يسعنا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬المباركة‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نستذكر‭ ‬أمجاد‭ ‬الماضي‭ ‬التليد،‭ ‬وأن‭ ‬نواصل‭ ‬العطاء‭ ‬والإباء؛‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أمتنا‭ ‬أكثر‭ ‬جمالًا‭ ‬وأصالة،‭ ‬لنرفع‭ ‬بهذه‭ ‬المناسبة‭ ‬السعيدة‭ ‬أصدق‭ ‬التهاني‭ ‬وأسمى‭ ‬الأماني‭ ‬إلى‭ ‬عاهل‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬خادم‭ ‬الحرمين‭ ‬الشريفين‭ ‬الملك‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز،‭ ‬وإلى‭ ‬ولي‭ ‬عهده‭ ‬الأمين‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز،‭ ‬وإلى‭ ‬الحكومة‭ ‬والشعب‭ ‬السعودي‭ ‬الشقيق‭ ‬بأن‭ ‬يديم‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬مملكتينا‭ ‬المتحابتين‭ ‬نعمة‭ ‬السلام‭ ‬والأمن‭ ‬والأمان‭ ‬الازدهار‭ ‬والاستقرار‭. ‬

إنه‭ ‬سميع‭ ‬مجيب،‭ ‬وكل‭ ‬عام‭ ‬وأمتنا‭ ‬بألف‭ ‬خير‭.‬