فلنعتبر من صفقة الأوكوس

| بدور عدنان

بعيداً‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬أستراليا‭ ‬فصخ‭ ‬عقد‭ ‬شراء‭ ‬الغواصات‭ ‬الفرنسية،‭ ‬وبعيداً‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬فرنسا‭ ‬أن‭ ‬تستشيط‭ ‬غضباً‭ ‬وتكيل‭ ‬التهم‭ ‬لحلفائها‭ ‬التقليديين‭ ‬الذين‭ ‬ساهموا‭ ‬في‭ ‬خسارة‭ ‬فرنسا‭ ‬هذا‭ ‬العقد،‭ ‬هناك‭ ‬دروس‭ ‬ومواعظ‭ ‬مما‭ ‬حصل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تمر‭ ‬مرور‭ ‬الكرام،‭ ‬بل‭ ‬وجب‭ ‬أخذ‭ ‬العبر‭ ‬والاستفادة‭ ‬مما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬تفاعلاتنا‭ ‬الدولية‭ ‬الحاضرة‭ ‬والمستقبلية‭.‬

فمن‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬شريك‭ ‬مهم‭ ‬واستراتيجي‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬وفرنسا،‭ ‬حيث‭ ‬ترتبط‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬المعاهدات‭ ‬والاتفاقيات،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬تلك‭ ‬المعنية‭ ‬بالأمن‭ ‬والدفاع‭ ‬المشترك،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تتجلى‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي،‭ ‬والذي‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬أقوى‭ ‬وأنجح‭ ‬الأحلاف‭ ‬التي‭ ‬شكلت‭ ‬خلال‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يمنع‭ ‬كلاً‭ ‬من‭ ‬واشنطن‭ ‬ولندن‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬مصالحهما‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬أضرار‭ ‬وشرخ‭ ‬في‭ ‬علاقاتهما‭ ‬مع‭ ‬أهم‭ ‬حلفائهما‭.‬

الموضوع‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬عقود‭ ‬وغواصات‭ ‬وأموال،‭ ‬فهو‭ ‬موضوع‭ ‬تحالفات‭ ‬وأزمة‭ ‬ثقة،‭ ‬فكيف‭ ‬يفترض‭ ‬بفرنسا‭ ‬أو‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬بالمجمل‭ ‬أن‭ ‬يثق‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬بريطانيا‭ ‬وهما‭ ‬اللتان‭ ‬أضرتا‭ ‬بمصالح‭ ‬دولة‭ ‬حليفة‭ ‬لهما‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قررتا‭ ‬إعلاء‭ ‬المصالح‭ ‬القومية‭ ‬وتجاهل‭ ‬ما‭ ‬تقتضيه‭ ‬الأعراف‭ ‬الدبلوماسية‭.‬

فإذا‭ ‬كانت‭ ‬واشنطن‭ ‬وهي‭ ‬رأس‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬حلفائها‭ ‬التقليديين،‭ ‬هل‭ ‬ستحافظ‭ ‬على‭ ‬تحالفاتها‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط؟‭ ‬سؤال‭ ‬وجب‭ ‬الإمعان‭ ‬فيه‭ ‬كثيراً،‭ ‬فصفقة‭ ‬الأوكوس‭ ‬جاءت‭ ‬اليوم‭ ‬كدليل‭ ‬قاطع‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تعلي‭ ‬مصالحها‭ ‬القومية‭ ‬فوق‭ ‬أي‭ ‬اعتبار‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬يعني‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬حلفائها‭ ‬التقليديين،‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬واشنطن‭ ‬بالفعل‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سحبت‭ ‬صواريخ‭ ‬الباتريوت‭ ‬من‭ ‬الرياض‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬الماضية‭ ‬حينها‭ ‬كتبت‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬سابق‭ ‬حول‭ ‬ضرورة‭ ‬تنويع‭ ‬سلة‭ ‬التحالفات‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬تعاون‭ ‬وشراكات‭ ‬جديدة‭ ‬خصوصاً‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الصاعدة‭.‬

صفقة‭ ‬أو‭ ‬أزمة‭ ‬الأوكوس‭ ‬تؤكد‭ ‬الطرح‭ ‬الذي‭ ‬يتحدث‭ ‬حول‭ ‬تغيير‭ ‬بوصلة‭ ‬واشنطن‭ ‬نحو‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬تحولا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬سياساتها‭ ‬المعهودة،‭ ‬تغيير‭ ‬وجب‭ ‬علينا‭ ‬استباقه‭ ‬لتجنب‭ ‬أضرار‭ ‬التغيير‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الأميركية‭.‬