ليتني أطير!

| هدى حرم

“ليتني‭ ‬أطيرُ‭ ‬بسيارتي‭ ‬كي‭ ‬أتجاوز‭ ‬الزحام،‭ ‬لأصلَ‭ ‬لمقر‭ ‬عملي‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب”،‭ ‬هكذا‭ ‬أحدِّثُ‭ ‬نفسي‭ ‬كل‭ ‬صباح؛‭ ‬بيدَ‭ ‬أنَّ‭ ‬سيارتي‭ ‬مهيضة‭ ‬الجَناح،‭ ‬مسلوبةَ‭ ‬القِوى،‭ ‬لا‭ ‬فُسحةَ‭ ‬لديها‭ ‬لتشقَّ‭ ‬الطريقَ‭ ‬لِشدة‭ ‬الزحام،‭ ‬ولا‭ ‬بُرمجتْ‭ ‬على‭ ‬التحليق‭ ‬وقت‭ ‬الحاجة،‭ ‬لتخترقَ‭ ‬الصفوف‭ ‬وتقطعَ‭ ‬الألوف‭ ‬من‭ ‬الكيلومترات‭ ‬في‭ ‬ثوان،‭ ‬وأنا‭ ‬القائدُ‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬حيلةَ‭ ‬له،‭ ‬قد‭ ‬احتُجِزَ‭ ‬في‭ ‬زحمة‭ ‬السير،‭ ‬ومملكتي‭ ‬صغيرة‭ ‬والطريقُ‭ ‬جدُ‭ ‬طويل‭.‬

مع‭ ‬ازديادِ‭ ‬أعداد‭ ‬السيارات‭ ‬على‭ ‬الطريق‭ ‬العامة،‭ ‬تزدادُ‭ ‬الاختناقات‭ ‬المروريةُ‭ ‬اليومية،‭ ‬وعلى‭ ‬الخصوص‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬الذروة،‭ ‬والتي‭ ‬تبدأ‭ ‬مع‭ ‬ذهاب‭ ‬الموظفين‭ ‬والعمال‭ ‬والطلبة‭ ‬لمقار‭ ‬عملهم‭ ‬ودراستهم،‭ ‬ولا‭ ‬تنتهي‭ ‬بعودتهم،‭ ‬حيث‭ ‬تُصابُ‭ ‬الشوارعُ‭ ‬الداخلية‭ ‬والرئيسة‭ ‬بالشلل،‭ ‬وتتوقفُ‭ ‬المركبات‭ ‬والشاحنات‭ ‬عن‭ ‬الحركة‭ ‬واقعاً‭ ‬لا‭ ‬مجازا،‭ ‬وليتَ‭ ‬الأمر‭ ‬ينتهي‭ ‬بعد‭ ‬عودة‭ ‬هؤلاء‭ ‬لمنازلهم‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬بل‭ ‬المشكلة‭ ‬أنَّ‭ ‬هذه‭ ‬الاختناقاتُ‭ ‬المروريةُ‭ ‬مستمرةٌ‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬لشديد‭ ‬الأسف،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الشاحنات‭ ‬وناقلات‭ ‬البضائع‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬عملها‭ ‬يبدأُ‭ ‬في‭ ‬الصباح‭ ‬الباكر‭ ‬ويتوقفُ‭ ‬عند‭ ‬السادسة‭ ‬والنصف،‭ ‬ثم‭ ‬يبدأُ‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬الثانية‭ ‬ظهراً‭ ‬وحتى‭ ‬الثالثة‭ ‬بعد‭ ‬الظهر،‭ ‬أصبحت‭ ‬تُمارس‭ ‬عملها‭ ‬أربعاً‭ ‬وعشرين‭ ‬ساعة،‭ ‬تنفيذاً‭ ‬لجداول‭ ‬أعمال‭ ‬الشركات‭ ‬والقطاعات‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬لديها،‭ ‬وعليه‭ ‬نسأل،‭ ‬هل‭ ‬تم‭ ‬استبدال‭ ‬القوانين‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬تمنع‭ ‬عملَ‭ ‬وتسيير‭ ‬الشاحنات‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬أوقاتِ‭ ‬دوامها،‭ ‬بقوانينَ‭ ‬مرنة‭ ‬تسمح‭ ‬لها‭ ‬بذرع‭ ‬الطرقِ‭ ‬ليلاً‭ ‬ونهاراً‭ ‬جيئةً‭ ‬وذهاباً‭ ‬دون‭ ‬توقف؟‭ ‬وحتى‭ ‬متى‭ ‬ستظل‭ ‬هذه‭ ‬الشاحنات‭ ‬تُزاحمُ‭ ‬السيارات‭ ‬الصغيرة‭ ‬في‭ ‬الطرق‭ ‬العامة‭ ‬وتتسبب‭ ‬بالاختناقات‭ ‬المرورية‭ ‬والحوادثِ‭ ‬المُميتة؟‭!‬

ألمْ‭ ‬يئنِ‭ ‬الأوانُ‭ ‬لتعبيد‭ ‬طرقٍ‭ ‬خاصةٍ‭ ‬بالمركبات‭ ‬الكبيرة‭ ‬كالدول‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تسمحُ‭ ‬للشاحنات‭ ‬بالسير‭ ‬في‭ ‬ذاتِ‭ ‬الطرق‭ ‬التي‭ ‬تخصُ‭ ‬العربات‭ ‬الخاصة؟‭ ‬يبدو‭ ‬أنَّ‭ ‬رغبة‭ ‬الشركات‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬المزيدِ‭ ‬من‭ ‬الربح‭ ‬والمنفعة،‭ ‬شجعها‭ ‬على‭ ‬زيادةِ‭ ‬أوقات‭ ‬العمل‭ ‬والاستخدام‭ ‬للشارع‭. ‬إنَّ‭ ‬تقليص‭ ‬ساعات‭ ‬خروج‭ ‬الشاحنات‭ ‬وناقلات‭ ‬البضائع‭ ‬على‭ ‬الطرق‭ ‬العامة،‭ ‬أو‭ ‬استبدالها‭ ‬بالساعات‭ ‬المتأخرةِ‭ ‬من‭ ‬الليل‭ ‬والصباح‭ ‬الباكر،‭ ‬باتَ‭ ‬حاجةً‭ ‬مُلِحةً‭ ‬وبالخصوص‭ ‬بعد‭ ‬تسببها‭ ‬في‭ ‬الحوادثِ‭ ‬بشكلٍ‭ ‬متكررٍ‭ ‬على‭ ‬الطريق،‭ ‬ما‭ ‬يُهددُ‭ ‬حياةَ‭ ‬الأبرياء‭ ‬ويصيبُ‭ ‬البلادَ‭ ‬بالشلل‭ ‬جراء‭ ‬التزاحمِ‭ ‬على‭ ‬الطرق‭ ‬الرئيسة‭.‬