مواقف إدارية

إنها الغيرة ولا أملك سواها

| أحمد البحر

‭ ‬ربما‭ ‬أستطيع‭ ‬سيدي‭ ‬القارئ‭ ‬أن‭ ‬أبدأ‭ ‬بالموقف‭ ‬مباشرة‭ ‬دون‭ ‬الالتزام‭ ‬بالقاعدة‭ ‬التي‭ ‬رسمتها‭ ‬لمقالاتي،‭ ‬وهي‭ ‬تنشيط‭ ‬الذاكرة‭ ‬بالمفاهيم‭ ‬والتعريفات‭ ‬والأدبيات‭ ‬للموضوع‭ ‬المراد‭ ‬التحدث‭ ‬عنه‭. ‬فقد‭ ‬رأيت‭ ‬أن‭ ‬أضع‭ ‬القارئ‭ ‬الكريم‭ ‬أمام‭ ‬مشهد‭ ‬واقعي‭ ‬للغيرة‭ ‬غير‭ ‬المحمودة‭ ‬وأترك‭ ‬له‭ ‬ممارسة‭ ‬مهارة‭ ‬الاستنتاج‭ ‬لديه‭. ‬أما‭ ‬التعريف‭ ‬وكما‭ ‬يراه‭ ‬الاختصاصيون‭ ‬فإني‭ ‬أورده‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬وإليك‭ ‬الموقف‭:‬

‭ ‬دخل‭ ‬مدير‭ ‬مكتب‭ ‬الرئيس‭ ‬التنفيذي‭ ‬على‭ ‬صديقه‭ ‬يوسف‭ ‬وبعد‭ ‬تقديمه‭ ‬بروتوكولات‭ ‬السلام‭ ‬والتحايا‭ ‬قال‭: ‬أرجو‭ ‬أن‭ ‬تعذرني‭ ‬وتصفح‭ ‬عني‭ ‬فقد‭ ‬أخطأت‭ ‬في‭ ‬حقك‭ ‬ربما‭ ‬دون‭ ‬قصد‭.! ‬لم‭ ‬ينتظر‭ ‬المدير‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬يوسف‭ ‬وإنما‭ ‬واصل‭ ‬حديثه‭: ‬كنت‭ ‬أحضر‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬اجتماع‭ ‬الرئيس‭ ‬مع‭ ‬نوابه‭ ‬ومساعديه‭ ‬بحكم‭ ‬عملي‭. ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الاجتماع،‭ ‬طرح‭ ‬الرئيس‭ ‬اقتراحاً‭ ‬بترقيتك‭ ‬ونقلك‭ ‬إلى‭ ‬وظيفة‭ ‬إدارية‭ ‬رفيعة‭. ‬لقد‭ ‬وجدت‭ ‬نفسي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬تحت‭ ‬سيطرة‭ ‬الغيرة‭ ‬اللعينة‭ ‬فقلت‭ ‬للرئيس‭:‬

‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬تعلنون‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الوظيفة؟‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬يشغل‭ ‬هذه‭ ‬الوظيفة‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬المؤسسة؟‭ ‬أما‭ ‬يوسف‭ ‬فقد‭ ‬أعطيت‭ ‬له‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬فرصة‭! ‬وفي‭ ‬رأيي‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬استهلاك‭ ‬قدراته‭. ‬تابع‭ ‬المدير‭ ‬وهو‭ ‬يحاول‭ ‬ترتيب‭ ‬عباراته‭ ‬بصعوبة‭: ‬اسمح‭ ‬لي‭ ‬صديقي‭ ‬فقد‭ ‬قلت‭ ‬غير‭ ‬الحقيقة،‭ ‬فكلنا‭ ‬نعرف‭ ‬قدراتك‭ ‬وكفاءتك‭ ‬ولكنها‭ ‬الغيرة،‭ ‬نعم‭ ‬الغيرة‭! ‬أتدري‭ ‬ماذا‭ ‬كان‭ ‬جواب‭ ‬أو‭ ‬تعليق‭ ‬الرئيس‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬قلته؟‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬وبنبرة‭ ‬صوت‭ ‬غير‭ ‬عادية‭ ‬ونظرات‭ ‬لا‭ ‬ولن‭ ‬أنساها‭:‬

‭ ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬شأنك‭. ‬أما‭ ‬كفاءة‭ ‬صديقك‭ ‬فأنت‭ ‬تعرفها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيرك‭. ‬انصحك‭ ‬يا‭ ‬ابني‭ ‬أن‭ ‬تهتم‭ ‬بتطوير‭ ‬قدراتك‭ ‬لكي‭ ‬لا‭ ‬تجبرني‭ ‬على‭ ‬إنهاء‭ ‬خدماتك‭. ‬كان‭ ‬يوسف‭ ‬يستمع‭ ‬إلى‭ (‬صديقه‭) ‬بهدوء‭ ‬غريب‭ ‬وقال‭ ‬بعد‭ ‬انتهائه‭: ‬اقدر‭ ‬اعترافك‭ ‬بهذا‭ ‬الخطأ‭ ‬كما‭ ‬اسميته‭ ‬والذي‭ ‬اعتبره‭ ‬أنا‭ ‬دافعا‭ ‬إيجابيا‭ ‬قويا‭ ‬لتحقيق‭ ‬طموحاتي‭ ‬المهنية‭. ‬أنا‭ ‬لدي‭ ‬مبدأ‭ ‬يا‭ ‬صديقي‭ ‬يقول‭ ‬كن‭ ‬مستعداً‭ ‬فقد‭ ‬تأتي‭ ‬الفرصة‭ ‬أي‭ ‬وقت‭. ‬دعني‭ ‬أشرحه‭ ‬لك،‭ ‬فقدراتك‭ ‬على‭ ‬الاستيعاب‭ ‬محدودة‭ ‬كما‭ ‬أعرف‭. ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬أني‭ ‬أعمل‭ ‬بجد‭ ‬واجتهاد‭ ‬وفي‭ ‬مسار‭ ‬مواز‭ ‬أواصل‭ ‬تطوير‭ ‬مؤهلاتي‭ ‬وخبراتي‭. ‬والآن‭ ‬ماذا‭ ‬تمتلك‭ ‬أنت‭ ‬غير‭ ‬الغيرة‭ ‬والحسد؟

‭ ‬لنعد‭ ‬سيدي‭ ‬القارئ‭ ‬لتعريف‭ ‬الغيرة‭ ‬كما‭ ‬يراها‭ ‬الاختصاصيون‭ ‬“الغيرة‭ ‬هي‭ ‬انفعال‭ ‬مركب‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬حب‭ ‬التملك‭ ‬والشعور‭ ‬بالغضب‭ ‬نحو‭ ‬الآخرين،‭ ‬الذين‭ ‬تمكنوا‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافهم‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬الشخص‭ ‬الغيور‭ ‬تحقيقها،‭ ‬ما‭ ‬ينتج‭ ‬عنها‭ ‬أحيانا‭ ‬التشهير‭ ‬بالآخرين‭ ‬أو‭ ‬مضايقتهم‭ ‬أو‭ ‬تخريب‭ ‬أعمالهم‭ ‬وإنجازاتهم”‭. ‬انتهى‭. ‬ما‭ ‬رأيك‭ ‬سيدي‭ ‬القارئ؟