حديث عن المعارضة واغتيال عبدالله المدني

| عبدالنبي الشعلة

رحم‭ ‬الله‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬المدني‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير‭ ‬مجلة‭ ‬“المواقف”‭ ‬الأسبوعية‭ ‬وأمين‭ ‬سر‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬الذي‭ ‬حُل‭ ‬في‭ ‬26‭ ‬أغسطس‭ ‬1975،‭ ‬فقد‭ ‬اغتيل‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬قبل‭ ‬45‭ ‬سنة،‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬الجمعة‭ ‬18‭ ‬نوفمبر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬1976‭ ‬في‭ ‬أشنع‭ ‬وأبشع‭ ‬جريمة‭ ‬اغتيال‭ ‬سياسي‭ ‬شهدتها‭ ‬واهتزت‭ ‬لها‭ ‬البحرين‭ ‬والمنطقة‭ ‬بأسرها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭.‬

ولنعد‭ ‬سنة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬الوراء،‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬مضى‭ ‬عام‭ ‬واحد‭ ‬على‭ ‬استقالتي‭ ‬من‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬وانخراطي‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬العمل‭ ‬الحر‭ ‬بتأسيس‭ ‬مكتب‭ ‬للترجمة‭ ‬والعلاقات‭ ‬العامة،‭ ‬وفي‭ ‬غياب‭ ‬صحف‭ ‬ناطقة‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬أحضر‭ ‬جلسات‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬بانتظام‭ ‬وأسجل‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬مناقشات‭ ‬وما‭ ‬يتخذ‭ ‬من‭ ‬قرارات،‭ ‬وأقوم‭ ‬بترجمتها‭ ‬للغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬وتوزيعها‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬على‭ ‬المشتركين‭ ‬الأجانب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الخدمة‭ ‬‭(‬الوحيدة‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭) ‬من‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬ومديري‭ ‬الشركات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الكبرى،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬بدأت‭ ‬معرفتي‭ ‬وعلاقتي‭ ‬بالمدني‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬أمين‭ ‬سر‭ ‬المجلس‭ ‬منذ‭ ‬انتخابه‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬1973‭.‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬حضوري‭ ‬المنتظم‭ ‬لكل‭ ‬جلسات‭ ‬المجلس،‭ ‬فقد‭ ‬رأيت‭ ‬كما‭ ‬رأى‭ ‬الجميع‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬الأعضاء‭ ‬المنتخبين‭ ‬في‭ ‬المجلس،‭ ‬وعددهم‭ ‬ثلاثون،‭ ‬انقسموا‭ ‬إلى‭ ‬مجموعتين‭ ‬متضادتين،‭ ‬الأولى‭ ‬أطلق‭ ‬عليها‭ ‬أو‭ ‬أطلقت‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬اسم‭ ‬“الكتلة‭ ‬الشعبية”‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتألف‭ ‬من‭ ‬ثمانية‭ ‬أعضاء‭ ‬من‭ ‬السنة‭ ‬والشيعة‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬تيارات‭ ‬يسارية‭ ‬وقومية،‭ ‬وينحدر‭ ‬معظمهم‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬من‭ ‬تنظيم‭ ‬“جبهة‭ ‬التحرير‭ ‬الوطني”‭. ‬أما‭ ‬الثانية،‭ ‬فقد‭ ‬أطلق‭ ‬عليها‭ ‬اسم‭ ‬“الكتلة‭ ‬الدينية”،‭ ‬وكانت‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬ستة‭ ‬أعضاء‭ ‬من‭ ‬القرى‭ ‬الشيعية‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الاتجاه‭ ‬والاصطفاف‭ ‬الديني،‭ ‬وباقي‭ ‬الأعضاء‭ ‬المنتخبين‭ ‬شكلوا‭ ‬كتلة‭ ‬ثالثة‭ ‬من‭ ‬“المستقلين”‭ ‬والمنتمين‭ ‬لاتجاهات‭ ‬مختلفة،‭ ‬فكان‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الظروف‭ ‬أن‭ ‬تواجه‭ ‬معارضة‭ ‬برلمانية‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬كتل‭ ‬بانتماءات‭ ‬وتوجهات‭ ‬متباينة‭ ‬ومتضاربة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التركيبة‭ ‬أدت‭ ‬بطبيعتها‭ ‬إلى‭ ‬انزلاق‭ ‬المجلس‭ ‬في‭ ‬صراعات‭ ‬دائمة‭ ‬حول‭ ‬معظم‭ ‬أو‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬تصدى‭ ‬لها،‭ ‬بحيث‭ ‬شكلت‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬الأرضية‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬حله‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬أغسطس‭ ‬1975‭.‬

قبل‭ ‬ذلك‭ ‬بخمسة‭ ‬أشهر،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬الخميس‭ ‬13‭ ‬مارس‭ ‬1975‭ ‬اتصل‭ ‬بي‭ ‬المرحوم‭ ‬عبدالله‭ ‬المدني‭ ‬ليخبرني‭ ‬أنه‭ ‬تلقى‭ ‬دعوة؛‭ ‬بصفته‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير‭ ‬مجلة‭ ‬“المواقف”‭ ‬الأسبوعية‭ ‬لمرافقة‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬طيب‭ ‬الله‭ ‬ثراه،‭ ‬ضمن‭ ‬الوفد‭ ‬الإعلامي‭ ‬الذي‭ ‬سيرافق‭ ‬سموه‭ ‬في‭ ‬زيارته‭ ‬الرسمية‭ ‬لدولة‭ ‬الكويت‭ ‬التي‭ ‬حُدد‭ ‬لبدايتها‭ ‬السبت‭ ‬15‭ ‬مارس،‭ ‬ولكن‭ ‬لظروف‭ ‬طارئة،‭ ‬فإنه‭ ‬لن‭ ‬يستطيع‭ ‬السفر،‭ ‬وطلب‭ ‬مني‭ ‬أن‭ ‬أنوب‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المهمة‭. ‬وبالفعل‭ ‬انضممت‭ ‬للوفد‭ ‬الإعلامي‭ ‬وقمت‭ ‬بتغطية‭ ‬الزيارة‭ ‬والمباحثات‭ ‬التي‭ ‬جرت،‭ ‬وتم‭ ‬نشرها‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬“المواقف”‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬17‭ ‬مارس‭ ‬1975‭.‬

من‭ ‬حينها‭ ‬توطدت‭ ‬وتوثقت‭ ‬علاقتي‭ ‬بالمرحوم،‭ ‬رغم‭ ‬تناقض‭ ‬المواقف‭ ‬وتباين‭ ‬الأهواء‭ ‬والقناعات‭ ‬والتوجهات‭ ‬السياسية،‭ ‬فهو‭ ‬خريج‭ ‬دراسات‭ ‬دينية،‭ ‬ملتزم‭ ‬دينيا،‭ ‬مؤمن‭ ‬بالإسلام‭ ‬السياسي،‭ ‬وبأن‭ ‬الإسلام‭ ‬دين‭ ‬ودولة‭ ‬ولا‭ ‬انفصام‭ ‬بينهما،‭ ‬ومطالب‭ ‬بتطبيق‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬كنظام‭ ‬للحكم،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬فأنا‭ ‬خريج‭ ‬علوم‭ ‬سياسية،‭ ‬مؤمن‭ ‬وفخور‭ ‬بانتمائي‭ ‬الديني‭ ‬مع‭ ‬ميول‭ ‬ليبرالية‭ ‬وقناعة‭ ‬راسخة‭ ‬بمبدأ‭ ‬فصل‭ ‬الدين‭ ‬عن‭ ‬الدولة‭. ‬وقد‭ ‬امتدت‭ ‬علاقتي‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬اغتياله‭ ‬إلى‭ ‬شقيقه‭ ‬المرحوم‭ ‬الشيخ‭ ‬سليمان‭ ‬المدني‭ ‬الذي‭ ‬توطدت‭ ‬علاقتي‭ ‬به‭ ‬أيضًا‭ ‬عندما‭ ‬أديت‭ ‬فريضة‭ ‬الحج‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1982‭ ‬ضمن‭ ‬الحملة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬مرشدها‭ ‬الديني‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬المرحوم‭ ‬الشيخ‭ ‬منصور‭ ‬الستري‭.‬

كان‭ ‬عبدالله‭ ‬المدني‭ ‬طيب‭ ‬القلب‭ ‬نقيّ‭ ‬السريرة‭ ‬وقورا‭ ‬دمث‭ ‬الخلق،‭ ‬ورغم‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬هادئ‭ ‬الطبع‭ ‬منخفض‭ ‬الصوت‭ ‬ليّن‭ ‬العريكة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬شجاعا‭ ‬في‭ ‬صراحته،‭ ‬شديد‭ ‬الحماسة‭ ‬والغيرة‭ ‬على‭ ‬قناعاته‭ ‬ومواقفه،‭ ‬ولا‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عنها‭ ‬والتصدي‭ ‬باللسان‭ ‬والقلم‭ ‬لمناوئيها‭ ‬من‭ ‬الشيوعيين‭ ‬الماركسيين‭ ‬واليساريين‭ ‬المتطرفين‭ ‬وغيرهم،‭ ‬فأصبح‭ ‬بذلك‭ ‬هدفًا‭ ‬لتنظيماتهم‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬كغيرها‭ ‬من‭ ‬التنظيمات‭ ‬السياسية‭ ‬المتطرفة‭ ‬على‭ ‬أتم‭ ‬الاستعداد‭ ‬لإسكات‭ ‬وإخماد‭ ‬وكتم‭ ‬أنفاس‭ ‬الأصوات‭ ‬التي‭ ‬تعارضها‭ ‬أو‭ ‬تختلف‭ ‬معها،‭ ‬وتصفيتها‭ ‬بأي‭ ‬صورة‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬وبأي‭ ‬أسلوب‭ ‬من‭ ‬الأساليب‭.‬

ففي‭ ‬أوج‭ ‬تمدد‭ ‬الحركة‭ ‬الشيوعية‭ ‬وعنفوان‭ ‬التضليل‭ ‬السوفيتي‭ ‬بدأت‭ ‬الأفكار‭ ‬الماركسية‭ ‬واليسارية‭ ‬في‭ ‬التسلل‭ ‬للمجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬لتتأطر‭ ‬لاحقا‭ ‬ضمن‭ ‬تنظيمي‭ ‬“الجبهة‭ ‬الشعبية‭ ‬لتحرير‭ ‬البحرين”‭ ‬و”جبهة‭ ‬التحرير‭ ‬الوطني”‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬والعربي‭ ‬عامة‭ ‬كان‭ ‬وما‭ ‬يزال‭ ‬طاردا‭ ‬ورافضا‭ ‬للأفكار‭ ‬والمبادئ‭ ‬الماركسية‭ ‬اللينينية‭ ‬اليسارية‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب‭ ‬من‭ ‬بينها،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬أهمها،‭ ‬التصاق‭ ‬الفكر‭ ‬الماركسي‭ ‬بالإلحاد،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نمو‭ ‬حالة‭ ‬التفاوت‭ ‬الطبقي‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬الاكتشافات‭ ‬النفطية،‭ ‬وانعدام‭ ‬الرؤية‭ ‬المستقبلية،‭ ‬واضمحلال‭ ‬الفكر‭ ‬السياسي‭ ‬العربي،‭ ‬وخلو‭ ‬الساحة‭ ‬السياسية‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬مفكرين‭ ‬سياسيين‭ ‬معتبرين؛‭ ‬جعل‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬المتذمر‭ ‬ينقاد‭ ‬وراء‭ ‬الأفكار‭ ‬الماركسية‭ ‬واليسارية‭ ‬المستوردة،‭ ‬خمسة‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشباب‭ ‬المنحدرين‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬قرى‭ ‬شيعية‭ ‬بحرينية‭ ‬تورطوا،‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬مقتبل‭ ‬العمر،‭ ‬في‭ ‬ارتكاب‭ ‬جريمة‭ ‬اغتيال‭ ‬المدني،‭ ‬اثنان‭ ‬منهم‭ ‬بالتخطيط‭ ‬والتحريض،‭ ‬وثلاثة‭ ‬بالتنفيذ‭.‬

وكبقية‭ ‬التنظيمات‭ ‬السياسية‭ ‬السرية؛‭ ‬فإن‭ ‬عملية‭ ‬تأطر‭ ‬أو‭ ‬تأطير‭ ‬الحركة‭ ‬الماركسية‭ ‬المعارضة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬نشأتها‭ ‬صارت‭ ‬تأخذ‭ ‬الشكل‭ ‬الهرمي‭ ‬في‭ ‬التنظيم،‭ ‬فكانت‭ ‬قمة‭ ‬الهرم‭ ‬في‭ ‬موسكو‭ ‬من‭ ‬مقر‭ ‬الأجهزة‭ ‬الحزبية‭ ‬الشيوعية‭ ‬المعنية‭ ‬بالتوسع‭ ‬وتصدير‭ ‬ونشر‭ ‬العقيدة‭ ‬الشيوعية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وفروعها‭ ‬المنتشرة‭ ‬في‭ ‬عواصم‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬وفي‭ ‬منتصف‭ ‬الهرم‭ ‬يتمركز‭ ‬الرفاق‭ ‬من‭ ‬القيادات‭ ‬الوطنية‭ ‬الماركسية‭ ‬المتواجدة‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬أو‭ ‬المتسترة‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬أو‭ ‬المحتجزة‭ ‬وراء‭ ‬قضبان‭ ‬السجون،‭ ‬وفي‭ ‬القاع‭ ‬يتحرك‭ ‬الرفاق‭ ‬النشطاء‭ ‬والكوادر‭ ‬التنفيذية،‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القاع‭ ‬انطلق‭ ‬منفذو‭ ‬عملية‭ ‬اغتيال‭ ‬المدني‭.‬

فبتوجيه‭ ‬من‭ ‬اثنين‭ ‬من‭ ‬كوادر‭ ‬أحد‭ ‬التنظيمات‭ ‬اليسارية‭ ‬المعارضة،‭ ‬أقدم‭ ‬القتلة‭ ‬الثلاثة‭ ‬على‭ ‬استدراج‭ ‬واختطاف‭ ‬المدني‭ ‬من‭ ‬بيته‭ ‬ليلًا،‭ ‬قرب‭ ‬منتصف‭ ‬الليل،‭ ‬واقتادوه‭ ‬تحت‭ ‬تهديد‭ ‬السلاح‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬نائية‭ ‬في‭ ‬بر‭ ‬سار‭ ‬وأجهزوا‭ ‬عليه‭ ‬بطريقة‭ ‬وحشية‭ ‬بطعنه‭ ‬18‭ ‬طعنة‭ ‬بسكاكين‭ ‬حادة‭ ‬أردته‭ ‬قتيلا،‭ ‬ثم‭ ‬تركوه‭ ‬في‭ ‬الخلاء‭ ‬جثة‭ ‬هامدة‭ ‬ولاذوا‭ ‬بالفرار‭.‬

وبفضل‭ ‬شهادة‭ ‬الشهود‭ ‬وكفاءة‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬تم‭ ‬اكتشاف‭ ‬الجثة‭ ‬والقبض‭ ‬على‭ ‬الجناة‭ ‬ومحاكمتهم،‭ ‬فحكم‭ ‬على‭ ‬المحرضين‭ ‬الاثنين‭ ‬بالسجن‭ ‬المؤبد،‭ ‬وعلى‭ ‬القتلة‭ ‬الثلاثة‭ ‬بالإعدام‭ ‬رميًا‭ ‬بالرصاص‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تنفيذه‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬التالي‭ ‬ليكون‭ ‬أول‭ ‬حكم‭ ‬إعدام‭ ‬ينفذ‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬تاريخها‭ ‬الحديث‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ترسخ‭ ‬القناعة‭ ‬لدى‭ ‬البعض‭ ‬بأن‭ ‬القتلة‭ ‬والمحرضين‭ ‬ما‭ ‬هم‭ ‬إلا‭ ‬مجرد‭ ‬أدوات‭ ‬تحركها‭ ‬تنظيمات‭ ‬سياسية‭ ‬بإملاءات‭ ‬خارجية،‭ ‬وتوجيه‭ ‬أصابع‭ ‬الاتهام‭ ‬بالتحديد‭ ‬إلى‭ ‬الجبهة‭ ‬الشعبية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التحقيقات‭ ‬لم‭ ‬تثبت‭ ‬تورط‭ ‬قادتها‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الجريمة‭ ‬البشعة‭.‬

لقد‭ ‬شكلت‭ ‬تلك‭ ‬الجريمة‭ ‬النكراء‭ ‬محطة‭ ‬مؤلمة‭ ‬مظلمة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬السياسي‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬ننساها‭ ‬أو‭ ‬نتناساها،‭ ‬وأن‭ ‬نتوقف‭ ‬عندها‭ ‬بين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى؛‭ ‬لنجدد‭ ‬رفضنا‭ ‬وإدانتنا‭ ‬وشجبنا‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬الضالة،‭ ‬ولنؤكد‭ ‬احترامنا‭ ‬للقانون‭ ‬ونبذنا‭ ‬لكل‭ ‬أشكال‭ ‬التطرف‭ ‬والعنف‭ ‬والإرهاب،‭ ‬والتزامنا‭ ‬بقيم‭ ‬السلم‭ ‬والتسامح‭ ‬والتعايش‭ ‬واحترام‭ ‬الرأي‭ ‬الآخر‭.‬