حصاد حروب التدخل الأميركية

| رضي السماك

في‭ ‬خطابه‭ ‬الأخير‭ ‬اعترف‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬أنفقته‭ ‬بلاده‭ ‬على‭ ‬وجودها‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬طوال‭ ‬20‭ ‬عاماً‭ ‬بلغ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تريليون‭ ‬دولار،‭ ‬وأنها‭ ‬كانت‭ ‬تنفق‭ ‬300‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬يومياً،‭ ‬وأن‭ ‬18‭ ‬من‭ ‬قدامى‭ ‬المحاربين‭ ‬ينتحرون‭ ‬يومياً،‭ ‬وهذا‭ ‬أبلغ‭ ‬اعتراف‭ ‬ضمني‭ ‬لرئيس‭ ‬أميركي‭ ‬بعبثية‭ ‬كل‭ ‬حروب‭ ‬التدخل‭ ‬الأميركية‭ ‬ولا‭ ‬مبدئيتها،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬محاربين‭ ‬خاضوا‭ ‬حروباً‭ ‬ذات‭ ‬مبادئ‭ ‬عادلة‭ ‬أن‭ ‬تنتابهم‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الانتحار‭ ‬للخلاص‭ ‬من‭ ‬أمراضهم‭ ‬النفسية‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬“تريليون‭ ‬دولار”‭ ‬كلفة‭ ‬حرب‭ ‬أفغانستان،‭ ‬فكم‭ ‬يا‭ ‬تُرى‭ ‬إجمالي‭ ‬نفقات‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬شنتها‭ ‬أميركا‭ ‬منذ‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬منتصف‭ ‬الأربعينيات؟‭ ‬وكم‭ ‬أعداد‭ ‬المنتحرين‭ ‬والمرضى‭ ‬والمشوهين‭ ‬نفسياً‭ ‬طوال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة؟‭ ‬ولئن‭ ‬قلنا‭ ‬حروباً‭ ‬عبثية‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬عبثية‭ ‬بحساب‭ ‬ما‭ ‬تجنيه‭ ‬من‭ ‬أرباح‭ ‬تحقيقاً‭ ‬لأطماع‭ ‬القوى‭ ‬الاقتصادية‭ ‬من‭ ‬مؤسسات‭ ‬وشركات‭ ‬رأسمالية،‭ ‬ومن‭ ‬ضمنها‭ ‬مقاولات‭ ‬الإعمار،‭ ‬وشركات‭ ‬التصنيع‭ ‬الحربي‭ ‬والنهب‭ ‬الاستثماري‭ ‬لموارد‭ ‬البلد‭ ‬المستهدف‭ ‬بالغزو‭. ‬

إن‭ ‬كل‭ ‬حروب‭ ‬التدخل‭ ‬العسكري‭ ‬جرت‭ ‬وفق‭ ‬منطق‭ ‬غطرسة‭ ‬الدولة‭ ‬العظمى‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية،‭ ‬وكانت‭ ‬ترتكب‭ ‬خلالها‭ ‬جرائم‭ ‬بشعة‭ ‬باسم‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬أو‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والديمقراطية‭. ‬وفي‭ ‬غزوها‭ ‬أفغانستان‭ ‬الذي‭ ‬انتهى‭ ‬بكارثة‭ ‬هزلية‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حروبها‭ ‬السابقة،‭ ‬اتضح‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تسقط‭ ‬طالبان‭ ‬بفضل‭ ‬جيشها‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬برشاوى‭ ‬ضخمة‭ ‬قدمتها‭ ‬لأمراء‭ ‬الحرب‭ ‬أيضاً،‭ ‬حسب‭ ‬الكاتبة‭ ‬فرح‭ ‬أستكومن‭ ‬في‭ ‬“نيويورك‭ ‬تايمز”،‭ ‬أما‭ ‬الحصاد‭ ‬النهائي‭ ‬لكل‭ ‬تلك‭ ‬الحروب‭ ‬باسم‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬فكان‭ ‬مفاقمة‭ ‬بؤر‭ ‬الإرهاب‭ ‬بصورة‭ ‬أخطر‭ ‬من‭ ‬السابق‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬تابعنا‭ ‬ونتابع‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬والعراق‭ ‬وسوريا‭. ‬وداخلياً‭ ‬فإن‭ ‬الإدارة‭ ‬الأميركية‭ ‬كانت‭ ‬متورطة‭ ‬غداة‭ ‬أحداث‭ ‬11‭ ‬سبتمبر‭ ‬في‭ ‬إطلاق‭ ‬حملة‭ ‬عنصرية‭ ‬طالت‭ ‬كل‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬من‭ ‬مواطنين‭ ‬ومقيمين‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭. ‬

لقد‭ ‬باتت‭ ‬كل‭ ‬المؤشرات‭ ‬ترجح‭ ‬البدء‭ ‬العكسي‭ ‬لأفول‭ ‬الامبراطورية‭ ‬الأميركية‭ ‬والانكفاء‭ ‬داخلياً‭ ‬بعد‭ ‬مهزلة‭ ‬انسحابها‭ ‬من‭ ‬أفغانستان،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬قاطعاً‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬الشعب‭ ‬الأميركي‭ ‬من‭ ‬تكثيف‭ ‬ضغوطه‭ ‬لإجراء‭ ‬إصلاحات‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬ليحقق‭ ‬حداً‭ ‬أدنى‭ ‬من‭ ‬العدالة‭ ‬الداخلية‭ ‬ويمنع‭ ‬تورطه‭ ‬في‭ ‬حروب‭ ‬خارجية‭ ‬جديدة‭.‬