طالبان... والأزمة الوجودية

| يوسف الحداد

يعتقد‭ ‬بعض‭ ‬المراقبين‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬اكتشفت‭ ‬بعد‭ ‬نحو‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬أنها‭ ‬تقوم‭ ‬بدور‭ ‬الشرطي‭ ‬الذي‭ ‬يحمي‭ ‬خصومها‭ ‬في‭ ‬آسيا،‭ ‬وتحديداً‭ ‬مصالح‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬وإيران‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬احتواء‭ ‬خطر‭ ‬حركة‭ ‬طالبان‭ ‬الأفغانية‭ ‬على‭ ‬نفقة‭ ‬دافعي‭ ‬الضرائب‭ ‬الأميركيين،‭ ‬لذا‭ ‬يرى‭ ‬هؤلاء‭ ‬أن‭ ‬الاتفاق‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وطالبان‭ ‬كان‭ ‬يستهدف‭ ‬استخدام‭ ‬الحركة‭ ‬في‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬بكين‭ ‬وطهران‭ ‬وموسكو،‭ ‬لكن‭ ‬الواقع‭ ‬يبدو‭ ‬مغايرا‭ ‬لهذه‭ ‬الفرضيات‭ ‬تماماً،‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬إشارات‭ ‬تصالح‭ ‬واضحة‭ ‬بين‭ ‬طالبان‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬قنوات‭ ‬الاتصال‭ ‬والتواصل‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬والحركة‭ ‬تبدو‭ ‬قائمة‭ ‬ومستمرة،‭ ‬حيث‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الحركة‭ ‬دعت‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬لحضور‭ ‬مراسم‭ ‬الاحتفاء‭ ‬بالحكومة‭ ‬الجديدة‭ ‬واقتصر‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬تركيا‭ ‬وإيران‭ ‬وباكستان‭ ‬والصين‭ ‬وروسيا‭ ‬وقطر،‭ ‬فالهدف‭ ‬الأميركي‭ ‬الخاص‭ ‬بوضع‭ ‬شوكة‭ ‬في‭ ‬خاصرة‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬لن‭ ‬يتحقق‭ ‬على‭ ‬الأرجح،‭ ‬كما‭ ‬لن‭ ‬يفلح‭ ‬الخلاف‭ ‬الآيديولوجي‭ ‬بين‭ ‬نظامي‭ ‬طالبان‭ ‬وإيران‭ ‬في‭ ‬التسبب‭ ‬بمواجهة‭ ‬بينهما،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬مفاتيح‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الشرعية‭ ‬والاعتراف‭ ‬الدولي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬بيد‭ ‬واشنطن‭ ‬وحلفائها‭ ‬الغربيين،‭ ‬حيث‭ ‬يظل‭ ‬بقاء‭ ‬طالبان‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬مرهوناً‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬المساعدات‭ ‬الدولية‭ ‬وإنقاذ‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأفغاني‭ ‬من‭ ‬انهيار‭ ‬حتمي‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬استمرار‭ ‬عزلة‭ ‬طالبان‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬حكمها‭ ‬الأولى‭.‬

وتؤكد‭ ‬المؤشرات‭ ‬أن‭ ‬الإدارة‭ ‬الأميركية‭ ‬الحالية‭ ‬لا‭ ‬تثق‭ ‬كثيراً‭ ‬بحدوث‭ ‬تغييرات‭ ‬في‭ ‬نهج‭ ‬طالبان،‭ ‬حيث‭ ‬أكد‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬حركة‭ ‬“طالبان”‭ ‬تغيرت،‭ ‬وقال‭ ‬“أعتقد‭ ‬أنهم‭ ‬يمرون‭ ‬بأزمة‭ ‬وجودية‭ ‬بشأن‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانوا‭ ‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬يعترف‭ ‬بهم‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬كحكومة‭ ‬شرعية”،‭ ‬واقترح‭ ‬بايدن‭ ‬أسلوبا‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬“طالبان”‭ ‬يتمثل‭ ‬بممارسة‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الحركة‭ ‬اقتصادياً‭ ‬ودبلوماسياً‭ ‬ودولياً‭ ‬بهدف‭ ‬إجبارها‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬سلوكها،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تجهز‭ ‬خيار‭ ‬العقوبات‭ ‬والعزلة‭ ‬الدولية‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬حركة‭ ‬طالبان‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬لم‭ ‬تثبت‭ ‬الأخيرة‭ ‬تغيير‭ ‬سلوكها،‭ ‬لكن‭ ‬المعضلة‭ ‬أن‭ ‬تقارب‭ ‬طالبان‭ ‬مع‭ ‬خصوم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الاستراتيجيين‭ ‬كالصين‭ ‬وروسيا‭ ‬وإيران‭ ‬يحد‭ ‬من‭ ‬فاعلية‭ ‬سياسات‭ ‬العقوبات‭ ‬والعزلة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تلجأ‭ ‬إليها‭ ‬واشنطن‭ ‬كأدوات‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬طالبان‭. ‬

الانسحاب‭ ‬الأميركي‭ ‬من‭ ‬أفغانستان‭ ‬يعتبره‭ ‬بعض‭ ‬المتخصصين‭ ‬زلزالاً‭ ‬استراتيجياً‭ ‬له‭ ‬تداعيات‭ ‬لم‭ ‬تتضح‭ ‬معالمها‭ ‬بعد،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬التجارب‭ ‬السابقة‭ ‬والشواهد‭ ‬الحالية‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬الإشكالية‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬قرار‭ ‬الانسحاب‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تتمحور‭ ‬حول‭ ‬“إخراج”‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬سمعة‭ ‬ومكانة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فقد‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬السابق‭ ‬لأوانه‭ ‬بالفعل‭ ‬بناء‭ ‬استنتاجات‭ ‬قاطعة‭ ‬حول‭ ‬تأثير‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬مطار‭ ‬كابل‭ ‬على‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب‭.‬