ما وراء الحقيقة

خفايا الانسحاب الأميركي من أفغانستان

| د. طارق آل شيخان الشمري

بإعلان‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬تحمله‭ ‬كامل‭ ‬المسؤولية،‭ ‬وبتصريحات‭ ‬بعض‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬من‭ ‬الجمهوريين،‭ ‬نستطيع‭ ‬الاستناد‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬أعلنوا‭ ‬للعالم‭ ‬أن‭ ‬واشنطن‭ ‬خسرت‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬أرواح‭ ‬أبنائها‭ ‬الجنود‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬أفغانستان،‭ ‬وخسرت‭ ‬أموال‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬البالغة‭ ‬300‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬يوميا،‭ ‬وعلى‭ ‬مدى‭ ‬عشرين‭ ‬سنة،‭ ‬وخسرت‭ ‬أحلامها‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬دولة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬متحضرة‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬عندما‭ ‬غزت‭ ‬كابول‭ ‬وأطاحت‭ ‬بصنيعتها‭ ‬طالبان،‭ ‬والتي‭ ‬بنتها‭ ‬وصنعتها‭ ‬أيام‭ ‬الاحتلال‭ ‬السوفييتي‭ ‬لأفغانستان،‭ ‬وأيضا‭ ‬خسرت‭ ‬صورتها‭ ‬العظيمة‭ ‬لدى‭ ‬الأوروبيين‭ ‬والخليجيين،‭ ‬باستثناء‭ ‬قطر‭. ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬بحقيقة‭ ‬الأمر؟

سبق‭ ‬وأن‭ ‬ذكرنا‭ ‬بأن‭ ‬ترامب‭ ‬عندما‭ ‬قرر‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬أفغانستان،‭ ‬لم‭ ‬يشأ‭ ‬أن‭ ‬ينسحب‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬رئاسته،‭ ‬وذلك‭ ‬بهدف‭ ‬ذكي‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬أعيد‭ ‬انتخابه‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬فسوف‭ ‬يذل‭ ‬طالبان‭ ‬ويبتزها‭ ‬وينسحب‭ ‬انسحابا‭ ‬مشرفا‭.. ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬فاز‭ ‬بايدن‭ ‬فالديمقراطيون‭ ‬وطاقم‭ ‬إدارتهم‭ ‬سيرتكبون‭ ‬أخطاء‭ ‬وانسحابا‭ ‬مذلا‭ ‬وفوضويا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬فعلا‭ ‬الآن‭. ‬وفعلا‭ ‬حدث‭ ‬ما‭ ‬توقعه‭ ‬ترامب‭. ‬لكن‭ ‬إحقاقا‭ ‬للحق،‭ ‬كانت‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬تراهن‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الانسحاب‭ ‬السريع‭ ‬لها،‭ ‬سيجعل‭ ‬الحكومة‭ ‬والجيش‭ ‬الأفغاني‭ ‬يواجهون‭ ‬طالبان،‭ ‬وستحدث‭ ‬معارك‭ ‬طاحنة‭ ‬بينهم،‭ ‬ما‭ ‬سيجعل‭ ‬الأنظار‭ ‬تتجه‭ ‬للحرب‭ ‬بين‭ ‬الحكومة‭ ‬الشرعية‭ ‬وطالبان،‭ ‬وعليه،‭ ‬فالانسحاب‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬محط‭ ‬أنظار‭ ‬الأفغان‭ ‬لانشغالهم‭ ‬بالحرب،‭ ‬حسب‭ ‬خطتهم‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬الأفغان‭ ‬سواء‭ ‬بالحكومة‭ ‬الشرعية‭ ‬أو‭ ‬طالبان،‭ ‬أدركوا‭ ‬مخطط‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن،‭ ‬لذلك‭ ‬لم‭ ‬يقاتل‭ ‬الجيش‭ ‬طالبان‭ ‬تحقيقا‭ ‬لخطة‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن،‭ ‬ولم‭ ‬تقاتل‭ ‬طالبان‭ ‬الجيش،‭ ‬بل‭ ‬طلبوا‭ ‬استسلام‭ ‬أفراده‭ ‬حقنا‭ ‬للدماء،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬بالضبط،‭ ‬وأيضا‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬الرئيس‭ ‬الأفغاني‭ ‬أشرف‭ ‬غني‭ ‬حينما‭ ‬ترك‭ ‬البلاد‭ ‬قائلا‭ ‬إنه‭ ‬جنب‭ ‬البلاد‭ ‬إراقة‭ ‬الدماء،‭ ‬وبهذا‭ ‬الفعل‭ ‬من‭ ‬طالبان‭ ‬والجيش‭ ‬والرئيس‭ ‬والشعب‭ ‬الأفغاني،‭ ‬تم‭ ‬تجنيب‭ ‬البلاد‭ ‬حربا‭ ‬طاحنة،‭ ‬توقعتها‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬بالانسحاب‭ ‬في‭ ‬ظلمة‭ ‬الليل،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬هو‭ ‬العكس‭. ‬وارتكبت‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬خطأ‭ ‬كبيرا‭ ‬بحق‭ ‬سمعة‭ ‬وهيبة‭ ‬ومصداقية‭ ‬واشنطن‭ ‬أمام‭ ‬العالم‭. ‬على‭ ‬العموم‭ ‬الربيع‭ ‬الطالباني‭ ‬والاقتتال‭ ‬بين‭ ‬الأفغان‭ ‬سيأتي‭ ‬لاحقا‭.‬