“لا شيء كالمدرسة”

| هدى حرم

ليس‭ ‬طلاقاً‭ ‬بائناً‭ ‬بين‭ ‬المعلمِ‭ ‬والفصل،‭ ‬وبين‭ ‬الطالب‭ ‬والمدرسة،‭ ‬والرجعة‭ ‬حتمية‭ ‬ومقرونة‭ ‬بانتهاءِ‭ ‬الوباء‭ ‬أو‭ ‬خِفةِ‭ ‬أُواره‭ ‬ولا‭ ‬شك،‭ ‬هذه‭ ‬الرجعةُ‭ ‬التي‭ ‬بدأتْ‭ ‬واقعاً؛‭ ‬فأثلجتْ‭ ‬صدورَ‭ ‬الطلبة‭ ‬والمعلمين‭ ‬وأولياء‭ ‬الأمور‭ ‬على‭ ‬حدٍ‭ ‬سواء‭. ‬يحدثُ‭ ‬ذلك‭ ‬حين‭ ‬يُحرم‭ ‬العبادُ‭ ‬من‭ ‬نعمةٍ‭ ‬مُنِحُوها‭ ‬ولم‭ ‬يستشعروا‭ ‬عظيمَ‭ ‬شأنها،‭ ‬تماماً‭ ‬كنعمةِ‭ ‬العلمِ‭ ‬والتعلم،‭ ‬حتى‭ ‬تزولَ‭ ‬تلك‭ ‬النعمةُ،‭ ‬فيتمنونَ‭ ‬لو‭ ‬أنهم‭ ‬قدَّروها‭ ‬حقَّ‭ ‬قدْرِها،‭ ‬ولم‭ ‬يستهينوا‭ ‬بمكانةِ‭ ‬العلمِ‭ ‬والمُعلم‭.‬

لدخولِ‭ ‬الحرمِ‭ ‬المدرسي‭ ‬بعد‭ ‬فراقٍ‭ ‬طويل‭ ‬شعور‭ ‬لا‭ ‬يُوصف‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬الطلبة‭ ‬الذين‭ ‬مرُّوا‭ ‬عبرَ‭ ‬بواباته‭ ‬بجذلٍ‭ ‬وشوق‭ ‬لأول‭ ‬مرة،‭ ‬وقُوبل‭ ‬هؤلاء‭ ‬بذاتِ‭ ‬اللهفة‭ ‬والحب‭ ‬من‭ ‬قِبلِ‭ ‬معلميهم،‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬عبَّروا‭ ‬عن‭ ‬فرحٍ‭ ‬عارمٍ‭ ‬برجوع‭ ‬طُلابهم‭ ‬ودبيبِ‭ ‬الحياةِ‭ ‬في‭ ‬جدران‭ ‬غرفِ‭ ‬الدرس‭ ‬وسُبوراتها‭. ‬الفرحةُ‭ ‬والحماسة‭ ‬بدتْ‭ ‬واضحةً‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬سلوكِ‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬منذ‭ ‬البداية،‭ ‬حيث‭ ‬أبدوا‭ ‬رغبتهم‭ ‬الشديدة‭ ‬في‭ ‬تسجيل‭ ‬أبنائهم‭ ‬الطلبة‭ ‬للحضور‭ ‬الفعلي‭ ‬للمدرسة‭ ‬للفصل‭ ‬الدراسي‭ ‬الحالي،‭ ‬إيماناً‭ ‬منهم‭ ‬بأهمية‭ ‬العلمِ‭ ‬والمعرفة‭ ‬في‭ ‬بناءِ‭ ‬كياناتِ‭ ‬أبنائهم‭ ‬وتطورِ‭ ‬شخصياتهم‭ ‬وتمكينهم‭ ‬من‭ ‬الارتقاء‭ ‬بجودةِ‭ ‬الحياة‭ ‬والانتفاعِ‭ ‬بمواردها‭. ‬يجدر‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬ليكون‭ ‬لولا‭ ‬الجهود‭ ‬الحثيثة‭ ‬التي‭ ‬بذلتها‭ ‬المملكة‭ ‬في‭ ‬الشهور‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬تتبعِ‭ ‬مُجرياتِ‭ ‬الحالة‭ ‬الراهنة‭ ‬ودراسةِ‭ ‬الإحداثيات‭ ‬وإمكانية‭ ‬العودة‭ ‬للمقاعدِ‭ ‬الدراسية‭ ‬بحسب‭ ‬المعطيات،‭ ‬آخذةً‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬سلامةَ‭ ‬الطالب‭ ‬في‭ ‬المقامِ‭ ‬الأول،‭ ‬وملتزمةً‭ ‬بالإجراءات‭ ‬الوقائية‭ ‬والاحترازاتِ‭ ‬المعمول‭ ‬بها‭ ‬لمكافحةِ‭ ‬تفشِّي‭ ‬الوباء،‭ ‬وقد‭ ‬تجسَّدَ‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬القرارات‭ ‬الحكيمة‭ ‬التي‭ ‬صدرتْ‭ ‬عن‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم،‭ ‬والتي‭ ‬تتماشى‭ ‬مع‭ ‬آلية‭ ‬الإشارة‭ ‬الضوئية‭ ‬المرتبطةِ‭ ‬بحضور‭ ‬الطلبة‭ ‬أو‭ ‬انتقالهم‭ ‬إلى‭ ‬التعلمِ‭ ‬عن‭ ‬بُعد‭.‬

ولا‭ ‬ندَّعي‭ ‬أنَّ‭ ‬التعلمَ‭ ‬عن‭ ‬بُعد‭ ‬هو‭ ‬الأفضل،‭ ‬لكنه‭ ‬أنقذ‭ ‬عملية‭ ‬التعلمِ‭ ‬في‭ ‬مرحلةٍ‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬أقسى‭ ‬المراحل‭ ‬التي‭ ‬مرَّتْ‭ ‬على‭ ‬العالم،‭ ‬فأضرتْ‭ ‬بشتى‭ ‬القطاعات‭ ‬الحكوميةِ‭ ‬والخاصة،‭ ‬وكان‭ ‬على‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬أنْ‭ ‬تواكبَ‭ ‬التغيرات،‭ ‬وتتجاوزَ‭ ‬المنعطفات‭ ‬الحادة‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بها،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعلم‭ ‬عن‭ ‬بعد،‭ ‬لكننا‭ ‬لا‭ ‬نُنكرُ‭ ‬أنَّ‭ ‬التعلمَ‭ ‬النشط‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التلاقي‭ ‬الحي‭ ‬بين‭ ‬المعلمِ‭ ‬والطالب،‭ ‬ذلك‭ ‬اللقاءُ‭ ‬المباشر‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يفرزُ‭ ‬حالةً‭ ‬من‭ ‬الودِ‭ ‬ويعززُ‭ ‬الارتباط‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬ويؤسسُ‭ ‬لبيئةٍ‭ ‬واقعيةٍ‭ ‬للتعلمِ‭ ‬الجاد‭ ‬والمثمر؛‭ ‬فتتحققَ‭ ‬أهدافُ‭ ‬التعلم‭ ‬بنسبةٍ‭ ‬تفوقُ‭ ‬تلك‭ ‬النسبةَ‭ ‬التي‭ ‬يحققها‭ ‬التعلمُ‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬بطبيعةِ‭ ‬الحال‭. ‬ولا‭ ‬ننكرُ‭ ‬أن‭ ‬أبناءنا‭ ‬الطلبة‭ ‬وإنْ‭ ‬مارسوا‭ ‬عمليةَ‭ ‬التعلم‭ ‬الافتراضي‭ ‬ونجحوا،‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يأخذوا‭ ‬عمليةَ‭ ‬التعليم‭ ‬والتعلم‭ ‬بجديةٍ‭ ‬كما‭ ‬كانوا‭ ‬يفعلون‭ ‬في‭ ‬المدرسة،‭ ‬ولا‭ ‬يبدو‭ ‬أنهم‭ ‬تعلَّموا‭ ‬حقاً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعلم‭ ‬عن‭ ‬بُعد،‭ ‬إذ‭ ‬إنَّ‭ ‬همهم‭ ‬كان‭ ‬أنْ‭ ‬ينجحوا‭ ‬وإن‭ ‬لمْ‭ ‬يتعلموا،‭ ‬فهل‭ ‬تراجع‭ ‬العلمُ‭ ‬بعد‭ ‬الجائحة‭ ‬وساهم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التعلم‭ ‬عن‭ ‬بعد،‭ ‬وهل‭ ‬يُنذرنا‭ ‬ذلك‭ ‬بتفشي‭ ‬الجهل‭ ‬والتقهقر‭ ‬المعرفي؟‭ ‬هل‭ ‬آنَ‭ ‬الأوانُ‭ ‬لبزوغ‭ ‬فجرٍ‭ ‬جديد‭ ‬يعيد‭ ‬مجد‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة‭ ‬قوامهُ‭ ‬التعلم‭ ‬الواقعي‭ ‬والتعلم‭ ‬الافتراضي؟‭.‬