زبدة القول

“شعب الجبارين”

| د. بثينة خليفة قاسم

سمعت‭ ‬كثيرا‭ ‬جملة‭ ‬“شعب‭ ‬الجبارين”‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬سمعتها‭ ‬من‭ ‬الزعيم‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭ ‬وهو‭ ‬يلقي‭ ‬خطبه‭ ‬أو‭ ‬كلماته‭ ‬الحماسية‭ ‬على‭ ‬أبناء‭ ‬شعبه‭ ‬ويطلق‭ ‬جملته‭ ‬الشهيرة‭ ‬“يا‭ ‬جبل‭ ‬ما‭ ‬يهزك‭ ‬ريح”‭.‬

وكنت‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬“شعب‭ ‬الجبارين”‭ ‬جملة‭ ‬تستخدم‭ ‬لخلق‭ ‬الحماس‭ ‬وبعث‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬الناس،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬هذا‭ ‬الأسبوع‭ ‬يجعلنا‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬الوصف‭ ‬دقيق‭ ‬ومستحق‭ ‬لأبناء‭ ‬فلسطين‭.‬

ستة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬استطاعوا‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬السجن‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بطريقة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬هوليوودية،‭ ‬نعم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬هوليوودية،‭ ‬لأن‭ ‬هوليوود‭ ‬نفسها‭ ‬وكل‭ ‬قصص‭ ‬الخيال‭ ‬تعجز‭ ‬أن‭ ‬تنسج‭ ‬حكاية‭ ‬كهذه‭.‬

هؤلاء‭ ‬الشباب‭ ‬كما‭ ‬سمعنا‭ ‬قرروا‭ ‬الهروب‭ ‬بطريقة‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬العجب،‭ ‬فقد‭ ‬أتوا‭ ‬بخرائط‭ ‬تحمل‭ ‬رسما‭ ‬للسجن‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الذي‭ ‬كانوا‭ ‬محبوسين‭ ‬فيه،‭ ‬وقرروا‭ ‬أن‭ ‬يحفروا‭ ‬نفقا‭ ‬يخرجون‭ ‬منه‭! ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬حيلة‭ ‬المسجون‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬شديد‭ ‬الحراسة‭ ‬لكي‭ ‬يحفر،‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬الأداة‭ ‬التي‭ ‬سيستخدمها‭ ‬في‭ ‬الحفر؟

لقد‭ ‬استخدموا‭ ‬ملعقة‭ ‬لكي‭ ‬يحفروا‭ ‬ذلك‭ ‬النفق‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬الفتحة‭ ‬التي‭ ‬خرجوا‭ ‬منها،‭ ‬وذهبوا‭ ‬بعيدا،‭ ‬وقامت‭ ‬الدنيا‭ ‬ولم‭ ‬تقعد‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬فيا‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬إرادة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬الإنسان‭ ‬يحفر‭ ‬بملعقة‭ ‬ويمسك‭ ‬خيط‭ ‬الأمل‭ ‬الرقيق‭ ‬ويقهر‭ ‬الطبيعة‭ ‬وينتصر‭ ‬ويضرب‭ ‬للدنيا‭ ‬مثلا‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬أي‭ ‬نظير،‭ ‬ويجعل‭ ‬الدنيا‭ ‬تردد‭ ‬جملة‭ ‬“لا‭ ‬يأس‭ ‬مع‭ ‬الحياة‭ ‬ولا‭ ‬حياة‭ ‬مع‭ ‬اليأس”‭.‬

قوة‭ ‬الإرادة‭ ‬والتصميم‭ ‬على‭ ‬الهدف‭ ‬يصنعان‭ ‬المستحيل،‭ ‬والحاجة‭ ‬أم‭ ‬الاختراع،‭ ‬وحاجة‭ ‬هؤلاء‭ ‬للحرية‭ ‬جعلتهم‭ ‬يحفرون‭ ‬نفقا‭ ‬بملعقة‭ ‬ويقهرون‭ ‬اليأس‭ ‬ويقولون‭ ‬للعالم‭ ‬“ها‭ ‬نحن‭ ‬هنا‭ ‬ولن‭ ‬نيأس،‭ ‬فنحن‭ ‬شعب‭ ‬الجبارين”‭.‬