سوالف

علاقة مغسولة بقطرات الحب والرحمة

| أسامة الماجد

في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬يتطلب‭ ‬منا‭ ‬تصرف‭ ‬الحيوان‭ ‬مع‭ ‬الإنسان‭ ‬وعيا‭ ‬مبصرا،‭ ‬وبلوغ‭ ‬أعماق‭ ‬أبعد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬التي‭ ‬يتحرك‭ ‬فيها‭ ‬الحيوان‭ ‬بالغريزة‭ ‬وتيار‭ ‬العاطفة،‭ ‬ونملك‭ ‬آلافا‭ ‬من‭ ‬القصص‭ ‬عن‭ ‬وفاء‭ ‬الحيوان‭ ‬لصاحبه،‭ ‬ابنتي‭ ‬فجر‭ ‬تعشق‭ ‬القطط،‭ ‬وقبل‭ ‬سنوات‭ ‬اقتنت‭ ‬قطة‭ ‬عمرها‭ ‬3‭  ‬أشهر،‭ ‬واعتنت‭ ‬بها‭ ‬وكأنها‭ ‬من‭ ‬أباطرة‭ ‬روما،‭ ‬دلال‭ ‬وغذاء‭ ‬صحي‭ ‬وعناية‭ ‬طبية‭ ‬“خمس‭ ‬نجوم”،‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬مدارس‭ ‬للقطط‭ ‬لأخذتها‭ ‬دون‭ ‬تردد،‭ ‬ومع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‭ ‬ولدت‭ ‬القطة‭ ‬ثلاثة‭ ‬“هررة”‭ ‬واحتفلنا‭ ‬بقدوم‭ ‬المواليد‭ ‬الجدد‭ ‬الذين‭ ‬بعثوا‭ ‬الفرح‭ ‬في‭ ‬المنزل،‭ ‬واليوم‭ ‬تبلغ‭ ‬الهررة‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬إن‭ ‬صح‭ ‬ظني‭ ‬ثمانية‭ ‬أشهر‭ ‬والأم‭ ‬ربما‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭.‬

لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬أية‭ ‬ثغرة‭ ‬في‭ ‬معاملة‭ ‬فجر‭ ‬لعائلة‭ ‬القطط‭ ‬التي‭ ‬تسكن‭ ‬معنا‭ ‬وتشاركنا‭ ‬أكلنا‭ ‬وشربنا،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬علاقتها‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬الأم‭ ‬مغسولة‭ ‬بقطرات‭ ‬الحب‭ ‬والرحمة،‭ ‬وفي‭ ‬منتصف‭ ‬شهر‭ ‬أغسطس‭ ‬الماضي‭ ‬حدث‭ ‬موقف‭ ‬رعش‭ ‬له‭ ‬القلب،‭ ‬فقد‭ ‬سافرت‭ ‬ابنتي‭ ‬فجر‭ ‬لأداء‭ ‬مناسك‭ ‬العمرة‭ ‬“جم‭ ‬يوم”،‭ ‬وأوكلت‭ ‬مهمة‭ ‬رعاية‭ ‬القطط‭ ‬إلى‭ ‬شقيقتيها،‭ ‬ويا‭ ‬سبحان‭ ‬الله،‭ ‬كانت‭ ‬القطة‭ ‬الأم‭ ‬ترفض‭ ‬الأكل‭ ‬إلا‭ ‬فيما‭ ‬ندر،‭ ‬وكلما‭ ‬دخلنا‭ ‬عليها‭ ‬نجدها‭ ‬بجانب‭ ‬“مخدة‭ ‬فجر”‭ ‬على‭ ‬السرير‭ ‬والحزن‭ ‬كشجرة‭ ‬مغروسة‭ ‬في‭ ‬وجهها‭ ‬الأبيض‭ ‬الصغير‭. ‬الصمت‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬هو‭ ‬الصمت،‭ ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬نظرت‭ ‬من‭ ‬ثقب‭ ‬الباب‭ ‬وجدت‭ ‬ملامح‭ ‬وتضاريس‭ ‬خريطة‭ ‬وجه‭ ‬الأم‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬لم‭ ‬تتغير،‭ ‬وحينها‭ ‬عرفت‭ ‬أنه‭ ‬ألم‭ ‬فراق‭ ‬صاحبتها،‭ ‬فالقطة‭ ‬كانت‭ ‬تعتبر‭ ‬فجر‭ ‬وطنا‭ ‬يشبه‭ ‬الأم‭.‬

عشنا‭ ‬أياما‭ ‬لم‭ ‬نحمل‭ ‬أوسمة‭ ‬الراحة،‭ ‬وبعد‭ ‬عودة‭ ‬فجر‭ ‬من‭ ‬العمرة‭ ‬يا‭ ‬سبحان‭ ‬الله،‭ ‬وكأن‭ ‬القطة‭ ‬تقول‭ ‬لها‭.. ‬ما‭ ‬أشد‭ ‬حاجتي‭ ‬لك،‭ ‬فعادت‭ ‬تمشي‭ ‬وتسرح‭ ‬بفرح‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬المنزل‭ ‬وترقص‭ ‬في‭ ‬موسم‭ ‬الحصاد‭.‬

ما‭ ‬حصل‭ ‬بين‭ ‬فجر‭ ‬والقطة‭ ‬ملاحظة‭ ‬تجعلنا‭ ‬على‭ ‬اتصال‭ ‬وثيق‭ ‬بسلوك‭ ‬الحقيقة،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬الحيوان‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬أكثر‭ ‬إخلاصا‭ ‬ووفاء‭ ‬للإنسان‭ ‬من‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسه،‭ ‬وكثيرة‭ ‬هي‭ ‬القصص‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬لنا‭ ‬نماذج‭ ‬من‭ ‬وفاء‭ ‬الحيوانات‭ ‬للبشر‭.‬