قراءة في المشاورات المصرية التركية

| بدور عدنان

جولة‭ ‬ثانية‭ ‬من‭ ‬المشاورات‭ ‬المصرية‭ ‬التركية‭ ‬عقدت‭ ‬في‭ ‬أنقرة‭ ‬هذا‭ ‬الأسبوع‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استضافت‭ ‬القاهرة‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬مايو‭ ‬الماضي‭ ‬الجولة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المشاورات،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬وعلى‭ ‬غرار‭ ‬الجولة‭ ‬الأولى‭ ‬لم‭ ‬تسفر‭ ‬المشاورات‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬عن‭ ‬خطوات‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تطبيع‭ ‬وإعادة‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬وتركيا‭ ‬إلى‭ ‬سابق‭ ‬عهدها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتوتر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2013‭.‬

مصر‭ ‬الحذرة‭ ‬مازالت‭ ‬تتلمس‭ ‬خطى‭ ‬التقارب‭ ‬مع‭ ‬تركيا،‭ ‬فالقاهرة‭ ‬مازالت‭ ‬تستذكر‭ ‬الهجوم‭ ‬التركي‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬المصرية،‭ ‬ومؤازرة‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان،‭ ‬حيث‭ ‬استضافتهم‭ ‬على‭ ‬أراضيها‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬لاجئ‭ ‬ومكتسب‭ ‬للجنسية‭ ‬التركية،‭ ‬حتى‭ ‬تحولت‭ ‬أنقرة‭ ‬لمنصة‭ ‬هجوم‭ ‬على‭ ‬القاهرة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬مواضيع‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬دعم‭ ‬تركيا‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬التي‭ ‬صنفتها‭ ‬القاهرة‭ ‬كجماعة‭ ‬إرهابية‭ ‬كانت‭ ‬حاضرة‭ ‬دائماً‭ ‬أمام‭ ‬المصريين،‭ ‬مثل‭ ‬التدخل‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬المتاخمة‭ ‬حدودياً‭ ‬لمصر،‭ ‬إضافة‭ ‬للنزاع‭ ‬البحري‭ ‬الشرق‭ ‬متوسطي‭ ‬المعني‭ ‬بالغاز‭ ‬الطبيعي‭.‬

يعي‭ ‬المصريون‭ ‬أن‭ ‬التطورات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬فرضت‭ ‬على‭ ‬تركيا‭ ‬اليوم‭ ‬سياسة‭ ‬المهادنة‭ ‬مع‭ ‬خصومها،‭ ‬خصوصاً‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فقدت‭ ‬أدواتها‭ ‬السياسية،‭ ‬فجماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬التي‭ ‬راهنت‭ ‬تركيا‭ ‬بالأمس‭ ‬عليها،‭ ‬بدا‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬اليوم‭ ‬أنها‭ ‬فقدت‭ ‬جميع‭ ‬مكتسباتها‭ ‬السياسية،‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬لفظتها‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬لها‭ ‬أي‭ ‬زخم‭ ‬شعبي،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الخلافات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬أنقرة‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬تفاقمها‭ ‬في‭ ‬تأكيد‭ ‬حضورها‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬كما‭ ‬كانت،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬أغلبها‭ ‬تم‭ ‬حله‭ ‬ولم‭ ‬يتبق‭ ‬إلا‭ ‬الملف‭ ‬الليبي‭ ‬الذي‭ ‬قطع‭ ‬شوطاً‭ ‬كبيراً‭ ‬نحو‭ ‬تسويته‭.‬

تركيا‭ ‬قدمت‭ ‬بعض‭ ‬التنازلات‭ ‬البسيطة‭ ‬لمصر‭ ‬مثل‭ ‬منع‭ ‬قنوات‭ ‬الإخوان‭ ‬الموجودة‭ ‬على‭ ‬أراضيها‭ ‬من‭ ‬مهاجمة‭ ‬القاهرة‭ ‬وعدم‭ ‬التعرض‭ ‬للنظام‭ ‬المصري،‭ ‬لكن‭ ‬تبقى‭ ‬هذه‭ ‬الخطوات‭ ‬مجرد‭ ‬إجراءات‭ ‬ظرفية،‭ ‬ولا‭ ‬تقدم‭ ‬أية‭ ‬ضمانات‭ ‬مستقبلية‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬ضمان‭ ‬عدم‭ ‬عودة‭ ‬النظام‭ ‬التركي‭ ‬لسابق‭ ‬عهده‭ ‬بعد‭ ‬حين،‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬موضوع‭ ‬إعادة‭ ‬العلاقات‭ ‬يحتاج‭ ‬لدراسة‭ ‬مطولة‭ ‬تقدم‭ ‬إطاراً‭ ‬عاماً‭ ‬وشاملاً‭ ‬تُرسم‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬محددات‭ ‬العلاقات‭ ‬المصرية‭ ‬التركية‭ ‬بما‭ ‬يقيد‭ ‬أنقرة‭ ‬من‭ ‬العودة‭ ‬لما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬بمجرد‭ ‬تغير‭ ‬أو‭ ‬تبدل‭ ‬الظروف‭ ‬لصالحها‭.‬