نقطة ارتكاز

طالبان والأميركان والدرس الأفغاني!

| د. غسان محمد عسيلان

انسحبت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬من‭ ‬أفغانستان‭ ‬بعد‭ ‬20‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬سيطرتها‭ ‬عليها،‭ ‬وخلال‭ ‬هذه‭ ‬المدة‭ ‬الطويلة‭ ‬أنفقت‭ ‬نحو‭ ‬3‭ ‬تريليونات‭ ‬من‭ ‬الدولارات،‭ ‬وكوَّنت‭ ‬جيشًا‭ ‬أفغانيًّا‭ ‬قوامه‭ ‬300‭ ‬ألف‭ ‬جندي‭ ‬أفغاني،‭ ‬وسلَّحتهم‭ ‬بأحدث‭ ‬أنواع‭ ‬الأسلحة‭ ‬المتطورة‭.‬

لكن‭ ‬حركة‭ ‬طالبان‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحكم‭ ‬أفغانستان‭ ‬وأنهى‭ ‬حكمها‭ ‬الغزو‭ ‬الأميركي‭ (‬ومعها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬دولة‭ ‬أخرى‭) ‬لم‭ ‬تستسلم،‭ ‬بل‭ ‬ظلت‭ ‬تحارب‭ ‬وتقاوم‭ ‬الجيش‭ ‬الأميركي‭ ‬وجيوش‭ ‬الدول‭ ‬المتحالفة‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬الذين‭ ‬قتلوا‭ ‬وأصابوا‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬الأفغاني‭ ‬إبان‭ ‬احتلالهم‭ ‬أفغانستان‭.‬

وبأعداد‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬مقاتلي‭ ‬طالبان‭ ‬وعتاد‭ ‬قليل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقارن‭ ‬بالترسانة‭ ‬الأميركية‭ ‬ومعها‭ ‬ترسانات‭ ‬أسلحة‭ ‬40‭ ‬دولة،‭ ‬تمكَّنت‭ ‬حركة‭ ‬طالبان‭ ‬من‭ ‬الانتصار،‭ ‬وأرغمت‭ ‬أميركا‭ ‬وحلفاءها‭ ‬على‭ ‬الانسحاب‭ ‬بعد‭ ‬20‭ ‬سنة،‭ ‬مخلِّفين‭ ‬وراءهم‭ ‬هزيمة‭ ‬ثقيلة‭ ‬وخسائر‭ ‬اقتصادية‭ ‬اعترف‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬بايدن‭ ‬بقسوتها‭ ‬وثقلها‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأميركي‭!‬

وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الشأن‭ ‬العسكري،‭ ‬والتحليلات‭ ‬السياسية‭ ‬لهذا‭ ‬الحدث،‭ ‬حدث‭ ‬الانسحاب‭ ‬الأميركي‭ ‬والغربي‭ ‬من‭ ‬أفغانستان،‭ ‬والذي‭ ‬وصفته‭ ‬بعض‭ ‬الصحف‭ ‬الغربية‭ ‬والأميركية‭ ‬بأنه‭ ‬هزيمة‭ ‬للغرب،‭ ‬وربما‭ ‬بداية‭ ‬النهاية‭ ‬للهيمنة‭ ‬الأميركية،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬توقفها‭ ‬عن‭ ‬القيام‭ ‬بدور‭ ‬شرطي‭ ‬العالم‭!‬

بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬اللافت‭ ‬للنظر‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬طوال‭ ‬20‭ ‬سنة‭ ‬احتلت‭ ‬فيها‭ ‬أفغانستان‭ ‬لم‭ ‬تقم‭ ‬فيها‭ ‬ببناء‭ ‬مدرسة‭ ‬واحدة‭! ‬ولم‭ ‬تنشئ‭ ‬مصنعًا‭ ‬واحدًا‭! ‬ولم‭ ‬تشيد‭ ‬مستشفى‭ ‬واحدة‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬كابول‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬الأفغانية‭ ‬لعلاج‭ ‬المرضى‭ ‬وتضميد‭ ‬الجرحى‭! ‬

بل‭ ‬حتى‭ ‬المطار‭ ‬الأفغاني‭ ‬مطار‭ ‬العاصمة،‭ ‬والذي‭ ‬كانت‭ ‬تستخدمه‭ ‬القوات‭ ‬العسكرية‭ ‬الأميركية‭ ‬وقوات‭ ‬الدول‭ ‬المتحالفة‭ ‬معها‭ ‬لم‭ ‬تطوره‭ ‬أميركا،‭ ‬وعلى‭ ‬مدى‭ ‬20‭ ‬عامًا‭ ‬لم‭ ‬تضع‭ ‬فيه‭ ‬لَبِنةً‭ ‬واحدة‭ ‬مع‭ ‬أنها‭ ‬تستخدمه‭ ‬هي‭ ‬وحلفاؤها،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أهم‭ ‬أميركا‭ ‬هو‭ ‬الترويج‭ ‬لنمط‭ ‬الحياة‭ ‬الأميركي‭ ‬وسط‭ ‬الأفغان،‭ ‬دون‭ ‬مراعاة‭ ‬ثقافتهم‭ ‬وقيمهم‭ ‬وعاداتهم‭!‬

والسؤال‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬الدرس‭ ‬الأفغاني‭ ‬والذي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬نتوقف‭ ‬عنده‭ ‬هو‭: ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬قدمته‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬لبناء‭ ‬نهضة‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬أفغانستان؟‭!‬