بلورة النظام الدولي ما بعد كورونا

| رشاد الشيخ

لم‭ ‬يتوقع‭ ‬أكثر‭ ‬المتشائمين‭ ‬أن‭ ‬تحل‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تعطل‭ ‬الحركة‭ ‬والعمل‭ ‬وشل‭ ‬الحركة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬بسائر‭ ‬المعمورة،‭ ‬وباتت‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬موضع‭ ‬شك‭ ‬من‭ ‬الخبراء‭ ‬المختصين‭ ‬عن‭ ‬كيفية‭ ‬نشوء‭ ‬الفيروس‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬ووهان‭ ‬الصينية،‭ ‬وأسباب‭ ‬انتشاره‭ ‬السريع‭ ‬وتأثيره‭ ‬السلبي‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬بأسره،‭ ‬خصوصا‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية،‭ ‬ما‭ ‬مثل‭ ‬تحدياً‭ ‬جدياً‭ ‬للدول‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬احتواء‭ ‬هذه‭ ‬الجائحة‭ ‬والخروج‭ ‬منها‭ ‬بأقل‭ ‬الخسائر‭.‬

ونظراً‭ ‬للتأثير‭ ‬السلبي‭ ‬للجائحة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬خصوصا‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تشكيل‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب،‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬دول‭ ‬عظمى‭ ‬جديدة‭ ‬وتعثر‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬منوط‭ ‬بمدى‭ ‬جدية‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬سرعة‭ ‬معالجة‭ ‬الأزمات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬الجائحة،‭ ‬ومدى‭ ‬فاعلية‭ ‬هيكلية‭ ‬المؤسسات‭ ‬الوطنية‭ ‬الطبية‭ ‬من‭ ‬معالجة‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬الجائحة‭ ‬على‭ ‬طبيعة‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭.‬

إن‭ ‬الآثار‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬الجائحة‭ ‬كانت‭ ‬ملموسة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬التكيف‭ ‬تختلف‭ ‬حسب‭ ‬طبيعة‭ ‬الحياة‭ ‬الخاصة‭ ‬بها،‭ ‬وتتميز‭ ‬دول‭ ‬آسيا‭ ‬عن‭ ‬باقي‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬بسرعة‭ ‬الاستجابة‭ ‬لوضع‭ ‬حلول‭ ‬مستدامة‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬الجائحة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬طبيعة‭ ‬الحياة‭ ‬بفضل‭ ‬عاداتها‭ ‬وسلوكياتها‭ ‬اليومية‭ ‬وما‭ ‬تمتلكه‭ ‬من‭ ‬إرث‭ ‬حضاري‭ ‬عريق‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ظهور‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬في‭ ‬الصين،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬استطاعت‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الوباء‭ ‬وإعادة‭ ‬الحياة‭ ‬لما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬الجائحة،‭ ‬ولم‭ ‬تكتف‭ ‬بهذا‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬سعت‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬المساعدات‭ ‬الطبية‭ ‬والمواد‭ ‬اللازمة‭ ‬التي‭ ‬تصنعها‭ ‬على‭ ‬أراضيها‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬كإيطاليا‭ ‬التي‭ ‬أُوصد‭ ‬الباب‭ ‬في‭ ‬وجهها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أقرب‭ ‬حلفائها‭ ‬الأوروبيين،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬مازالت‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬تصارع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬كورونا‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬العامة،‭ ‬وهذا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬مهيأة‭ ‬أقرب‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭ ‬لأن‭ ‬تلعب‭ ‬دوراً‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا،‭ ‬بما‭ ‬تملكه‭ ‬من‭ ‬مقومات‭ ‬وإمكانات‭ ‬وأدوات‭ ‬مناسبة‭ ‬لمنافسة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬الزعامة‭ ‬العالمية‭. ‬لقد‭ ‬استغلت‭ ‬الصين‭ ‬التي‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬تسيير‭ ‬وإدارة‭ ‬أزمة‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬وتغلبت‭ ‬عليها‭ ‬داخليا‭ ‬مع‭ ‬استغلال‭ ‬سياسة‭ ‬الانكفاء‭ ‬التي‭ ‬اتبعتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الأزمة‭ ‬لصالحها‭ ‬بتقديم‭ ‬نفسها‭ ‬كقوة‭ ‬عالمية‭ ‬جديدة‭ ‬مستعدة‭ ‬لتكون‭ ‬أحد‭ ‬أقطاب‭ ‬ميزان‭ ‬قوى‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب،‭ ‬يكون‭ ‬بديلا‭ ‬لنظام‭ ‬الأحادية‭ ‬القطبية‭ ‬الذي‭ ‬قادت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬به‭ ‬العالم‭ ‬وحدها‭ ‬دون‭ ‬منازع‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬وسقوط‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭.‬