سوالف

إلى بعض رجال المرور

| أسامة الماجد

عرف‭ ‬القاضي‭ ‬الأميركي‭ ‬الشهير‭ ‬“فرانشيسكو‭ ‬كابريو”‭ ‬بقاضي‭ ‬الرحمة‭ ‬والإنسانية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأحكام‭ ‬التي‭ ‬يصدرها‭ ‬على‭ ‬مخالفات‭ ‬السير‭ ‬والجنح‭ ‬في‭ ‬جلسات‭ ‬المحاكمات،‭ ‬والتي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬برنامج‭ ‬ناجح‭ ‬باسم‭ ‬“كوت‭ ‬إن‭ ‬بروفيدنس”،‭ ‬ويتابعه‭ ‬ملايين‭ ‬المشاهدين‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬عبر‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬فكل‭ ‬حالة‭ ‬تقف‭ ‬أمامه‭ ‬يذيقها‭ ‬من‭ ‬رحيق‭ ‬الرأفة‭ ‬والتسامح،‭ ‬خصوصا‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬الذين‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬معاملتهم‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬مشرق‭ ‬الأرض‭ ‬إلى‭ ‬مغربها‭ ‬ومن‭ ‬نجم‭ ‬إلى‭ ‬نجم‭ ‬آخر،‭ ‬لأنهم‭ ‬يستحقون‭ ‬الجلوس‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬جواد‭ ‬الحب‭.‬

في‭ ‬مجتمعنا‭ ‬هناك‭ ‬“بعض”‭ ‬رجال‭ ‬المرور‭ ‬تعاملون‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬يرتكب‭ ‬مخالفة‭ ‬بسيطة‭ ‬جدا‭ ‬وكأنه‭ ‬مجرم‭ ‬خطير،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬أوضح‭ ‬لهم‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يقصد‭ ‬ارتكاب‭ ‬المخالفة‭ ‬أو‭ ‬صحته‭ ‬ليست‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يرام‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأعذار‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬معجم‭ ‬الرفق‭ ‬والرحمة،‭ ‬لكن‭ ‬دون‭ ‬جدوى،‭ ‬وفي‭ ‬الواقع‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يجيز‭ ‬لأي‭ ‬كان‭ ‬ارتكاب‭ ‬مخالفة‭ ‬مرورية،‭ ‬لكن‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬استثناءات‭ ‬وظرف‭ ‬قاس‭ ‬ودائرة‭ ‬مغلقة‭ ‬جعلت‭ ‬هذا‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬المرأة‭ ‬تدخل‭ ‬بالخطأ‭ ‬عكس‭ ‬اتجاه‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬الطرقات‭ ‬الداخلية،‭ ‬ففي‭ ‬إحدى‭ ‬المرات‭ ‬سأل‭ ‬القاضي‭ ‬فرانشيسكو‭ ‬كابريو‭ ‬رجلا‭ ‬يبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬96‭ ‬عاما‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬قيادته‭ ‬المركبة‭ ‬بسرعة‭ ‬فوق‭ ‬المعدل‭ ‬بقليل‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬دراسية،‭ ‬وأجابه‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬القيادة‭ ‬بسرعة‭ ‬بحكم‭ ‬سنه،‭ ‬ولكنه‭ ‬كان‭ ‬تحت‭ ‬ذل‭ ‬الاضطرار،‭ ‬فعليه‭ ‬أخذ‭ ‬ابنه‭ ‬البالغ‭ ‬63‭ ‬عاما‭ ‬كل‭ ‬أسبوعين‭ ‬لفحص‭ ‬دمه،‭ ‬لأنه‭ ‬مصاب‭ ‬بداء‭ ‬عضال،‭ ‬فانفصلت‭ ‬نبرة‭ ‬الحزن‭ ‬والرأفة‭ ‬عن‭ ‬صوت‭ ‬القاضي‭ ‬وقال‭ ‬له‭.. ‬أنت‭ ‬رجل‭ ‬طيب،‭ ‬فبالرغم‭ ‬من‭ ‬عمرك‭ ‬إلا‭ ‬أنك‭ ‬مازلت‭ ‬ترعى‭ ‬أبناءك‭ ‬وتهتم‭ ‬بهم‭.. ‬أتمنى‭ ‬الشفاء‭ ‬لابنك‭ ‬وتم‭ ‬إسقاط‭ ‬التهمة‭ ‬عنك‭.‬

خلاصة‭ ‬القول‭.. ‬على‭ ‬بعض‭ ‬رجال‭ ‬المرور‭ ‬الذين‭ ‬يحررون‭ ‬المخالفات‭ ‬للناس‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬أن‭ ‬يجعلوا‭ ‬قلوبهم‭ ‬مستعمرة‭ ‬للرحمة‭ ‬والإنسانية،‭ ‬فلربما‭ ‬قلب‭ ‬المخالف‭ ‬لا‭ ‬يستقبل‭ ‬النور‭ ‬نتيجة‭ ‬ضربة‭ ‬قدر‭ ‬أو‭ ‬مرض،‭ ‬ونعيد‭ ‬لسنا‭ ‬مع‭ ‬ارتكاب‭ ‬المخالفات،‭ ‬لكن‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬نسأل‭ ‬الكبار‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬عن‭ ‬السبب‭.‬