مَنْ الجارُ ومَنْ المجرور؟

| د.حورية الديري

اليوم‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬الأمس‭ ‬في‭ ‬جره‭ ‬ومجروره،‭ ‬فكما‭ ‬تربعت‭ ‬المسلسلات‭ ‬الكارتونية‭ ‬على‭ ‬عرش‭ ‬ذاكرة‭ ‬أجيال‭ ‬المئوية،‭ ‬وشكلت‭ ‬عنصرًا‭ ‬أساسيًا‭ ‬للتعلم‭ ‬والترفيه،‭ ‬بما‭ ‬تحويه‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬ورسائل‭ ‬إيجابية‭ ‬صنعتها‭ ‬كوادر‭ ‬الجيل‭ ‬ذاته،‭ ‬عبر‭ ‬توظيف‭ ‬أفضل‭ ‬الممارسات‭ ‬الإبداعية‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬النص‭ ‬وترجمته‭ ‬رسمًا‭ ‬وصوتًا‭ ‬وإنتاجًا‭ ‬ليكون‭ ‬فنًا‭ ‬تتقاسمه‭ ‬الخبرات‭ ‬والكفاءات‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬الجيل،‭ ‬استطاعوا‭ ‬أن‭ ‬يؤثروا‭ ‬بطرق‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬جيل‭ ‬متواكب‭ ‬بأكمله،‭ ‬حتى‭ ‬بات‭ ‬يتنافس‭ ‬المتنافسون‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الجر‭ ‬وتوابعها‭.‬

تلك‭ ‬أحداث‭ ‬بسيطة‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬الجميل،‭ ‬وأعلم‭ ‬حجم‭ ‬الذكريات‭ ‬لمن‭ ‬تحضره‭ ‬الآن‭ ‬تلك‭ ‬المسلسلات‭ ‬المميزة،‭ ‬لكن‭ ‬الأجمل‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬ونحن‭ ‬نتواصل‭ ‬ونتصل‭ ‬بهذا‭ ‬العالم‭ ‬المتغير،‭ ‬أن‭ ‬نشهد‭ ‬توثيقًا‭ ‬لكل‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭ ‬بشخوصه‭ ‬وأبطاله‭ ‬الذين‭ ‬عُرفوا‭ ‬بأصواتهم‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬صفحات‭ ‬الإنترنت،‭ ‬فأصبح‭ ‬الأمر‭ ‬مجرورًا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬جيل‭ ‬الألفية،‭ ‬الذين‭ ‬صنعوا‭ ‬من‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬مدخلاً‭ ‬لجر‭ ‬مختلف‭ ‬المعارف‭ ‬وتصنيفها‭ ‬في‭ ‬قوالب‭ ‬تقنية،‭ ‬لتخزين‭ ‬المعلومات‭ ‬وتوثيق‭ ‬التاريخ‭ ‬وتسهيل‭ ‬عملية‭ ‬تصفح‭ ‬الذكريات‭ ‬لمن‭ ‬فاتته‭ ‬فكرة‭ ‬التوثيق،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يصنع‭ ‬الولاء‭ ‬والتقدير‭ ‬عند‭ ‬مفترق‭ ‬الطرق‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬مدخلات‭ ‬جديدة‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬يوليه‭ ‬جيل‭ ‬الألفية‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬تعلق‭ ‬شديد‭ ‬بالتكنولوجيا‭ ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬سمات‭ ‬وقيم‭ ‬ونظم‭ ‬ثقافية‭ ‬مستحدثة‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬التحولات‭ ‬الرقمية‭ ‬السريعة،‭ ‬فإننا‭ ‬نسير‭ ‬في‭ ‬مسارات‭ ‬حياتية‭ ‬متشعبة‭ ‬الظواهر،‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬تشكل‭ ‬نوعًا‭ ‬مختلفًا‭ ‬في‭ ‬مسارات‭ ‬الجر‭ ‬والمجرور‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬ولا‭ ‬نختلف‭ ‬في‭ ‬أهمية‭ ‬وجود‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬وفوائدها‭ ‬الجمة،‭ ‬فأنا‭ ‬أكتب‭ ‬الآن‭ ‬حصيلة‭ ‬ما‭ ‬توصلت‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬قراءات‭ ‬بحثت‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬الإنترنت‭ ‬لأتعرف‭ ‬حجم‭ ‬التأثير‭ ‬الذي‭ ‬أحدثه‭ ‬تطبيق‭ ‬Tik Tokبعد‭ ‬انتشاره‭ ‬عالميًا‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2018‭ ‬في‭ ‬سابقة‭ ‬نوعية‭ ‬قد‭ ‬تضاهي‭ ‬استخدام‭ ‬اليوتيوب،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬احتل‭ ‬المرتبة‭ ‬الرابعة‭ ‬بين‭ ‬التطبيقات‭ ‬الأكثر‭ ‬تحميلاً‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬ويستخدمه‭ ‬حوالي‭ ‬500‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭ ‬شهريًا،‭ ‬باعتباره‭ ‬النافذة‭ ‬الأولى‭ ‬للإبداع‭ ‬والموهبة‭ ‬التي‭ ‬تتيح‭ ‬إمكانية‭ ‬إنشاء‭ ‬مقاطع‭ ‬فيديو‭ ‬قصيرة‭ ‬وإضافة‭ ‬المؤثرات‭ ‬الموسيقية‭ ‬المناسبة‭ ‬لها‭.‬

هنا‭ ‬والعملية‭ ‬متصلة‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬الألفية‭ ‬المميز‭ ‬بما‭ ‬لديه‭ ‬من‭ ‬قدرات‭ ‬شكلتها‭ ‬تلك‭ ‬المسارات‭ ‬السابقة،‭ ‬وحتمًا‭ ‬فهو‭ ‬لن‭ ‬يتوقف‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬مجرورًا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجيل‭ ‬القادم،‭ ‬لكنني‭ ‬أود‭ ‬تقديم‭ ‬التماس‭ ‬عاجل‭ ‬لجيل‭ ‬المئوية‭ ‬بألا‭ ‬يتخلوا‭ ‬عن‭ ‬أدوارهم‭ ‬ومسؤولياتهم‭ ‬عن‭ ‬الجار‭ ‬والمجرور،‭ ‬ويبقوا‭ ‬على‭ ‬اتصال‭ ‬مستمر‭ ‬مع‭ ‬مختلف‭ ‬الأجيال،‭ ‬فتلك‭ ‬المسلسلات‭ ‬البسيطة‭ ‬هي‭ ‬ذاتها‭ ‬ولكن‭ ‬بصور‭ ‬وتطبيقات‭ ‬تقنية‭ ‬مختلفة‭.‬