عازفونَ أمْ ممنوعونَ من العمل الاجتماعي!

| هدى حرم

قد‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬الحزن‭ ‬والكآبة‭ ‬حتى‭ ‬تكتشفَ‭ ‬بوابة‭ ‬تعبرها‭ ‬صدفة‭ ‬نحو‭ ‬السعادة‭ ‬والفرح‭. ‬إنَّ‭ ‬الشعور‭ ‬الذي‭ ‬يمنحه‭ ‬التطوعُ‭ ‬لخدمة‭ ‬الآخرين‭ ‬لا‭ ‬يُوصفُ‭ ‬بكلمة،‭ ‬وكأن‭ ‬من‭ ‬جرَّبهُ‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬التوقفَ‭ ‬عن‭ ‬ضخِّ‭ ‬نفسهِ‭ ‬بمشاعر‭ ‬الرضا‭ ‬ومدِّ‭ ‬الآخر‭ ‬بمشاعر‭ ‬الامتنانِ‭ ‬لوجوده‭ ‬وأمثاله‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع؛‭ ‬فلماذا‭ ‬يعزفُ‭ ‬البعضُ‭ ‬والشبابُ‭ ‬خصوصاً‭ ‬عن‭ ‬العملِ‭ ‬التطوعي‭ ‬إذاً؟

العملُ‭ ‬التطوعي،‭ ‬هو‭ ‬كلُ‭ ‬جهدٍ‭ ‬يقومُ‭ ‬به‭ ‬الفرد‭ ‬طوَاعِية‭ ‬مِن‭ ‬أجل‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تحقيقِ‭ ‬الخير‭ ‬في‭ ‬المُجتمعِ،‭ ‬دون‭ ‬إجبارٍ‭ ‬من‭ ‬الآخرين،‭ ‬ودون‭ ‬انتظارٍ‭ ‬لمردودٍ‭ ‬مادي‭ ‬من‭ ‬ورائه‭. ‬إن‭ ‬الدورَ‭ ‬الاجتماعي‭ ‬للشباب‭ ‬والأفراد‭ ‬يتمثلُ‭ ‬بوضوح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العمل‭ ‬التطوعي،‭ ‬الذي‭ ‬يُسهمُ‭ ‬بالنهوض‭ ‬بالمجتمع‭ ‬ورفعِ‭ ‬مكانته‭ ‬بين‭ ‬سائر‭ ‬المجتمعات‭ ‬على‭ ‬شتَّى‭ ‬الأصعدة،‭ ‬وتزدادُ‭ ‬أهميةُ‭ ‬العمل‭ ‬التطوعي‭ ‬اليوم‭ ‬نتيجةَ‭ ‬تعقُّد‭ ‬الظروفِ‭ ‬الحياتية؛‭ ‬بيدَ‭ ‬أننا‭ ‬نشهدُ‭ ‬عُزُوفًا‭ ‬جليًا‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬التطوعي‭ ‬لدى‭ ‬فئة‭ ‬الشباب‭ ‬على‭ ‬وجهٍ‭ ‬خاص‭.‬

إنَّ‭ ‬تدني‭ ‬الوعي‭ ‬بمفهوم‭ ‬التطوع‭ ‬بالمجتمع‭ ‬يدفعُ‭ ‬الشبابَ‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الأنشطة‭ ‬التطوعية،‭ ‬لاِعتقادهم‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تعدو‭ ‬كونها‭ ‬مضيعةً‭ ‬للوقتِ‭ ‬والجهد‭ ‬لعدم‭ ‬تمخُضها‭ ‬عن‭ ‬فائدةٍ‭ ‬أو‭ ‬عائدٍ‭ ‬مادي‭ ‬يُسهمُ‭ ‬في‭ ‬تحسينِ‭ ‬المستوى‭ ‬المعيشي‭ ‬للأسرة،‭ ‬كذلك‭ ‬فإنَّ‭ ‬البعضَ‭ ‬لا‭ ‬يملكُ‭ ‬الشغفَ‭ ‬تُجاه‭ ‬خدمةِ‭ ‬الناس،‭ ‬ولا‭ ‬يشعرُ‭ ‬بالسعادة‭ ‬التي‭ ‬يُفرزُها‭ ‬تقديمُ‭ ‬العون‭ ‬للآخرين،‭ ‬ناهيكَ‭ ‬عن‭ ‬ظنِ‭ ‬الشباب‭ ‬بأن‭ ‬العملَ‭ ‬التطوعي‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬نشاط‭ ‬يقومون‭ ‬به‭ ‬لشغلِ‭ ‬أوقاتِ‭ ‬فراغهم،‭ ‬لا‭ ‬بهدفِ‭ ‬مساعدةِ‭ ‬الناس‭ ‬ومد‭ ‬يد‭ ‬العون‭ ‬للمعوزين‭ ‬والرغبةِ‭ ‬المخلصة‭ ‬في‭ ‬نيل‭ ‬الثواب‭ ‬من‭ ‬الله،‭ ‬والنهوضِ‭ ‬بالمجتمع‭ ‬وتقوية‭ ‬اللُحمةِ‭ ‬الوطنية‭ ‬ونشرِ‭ ‬روح‭ ‬التعاون‭ ‬والتكافل‭ ‬والتراحمِ‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬الواحد،‭ ‬فيفتقرون‭ ‬للإخلاص‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬ويُقصِّرون‭ ‬في‭ ‬تحمل‭ ‬المسؤولية،‭ ‬مُستغلينَ‭ ‬الطبيعةَ‭ ‬المرنة‭ ‬للعمل‭ ‬التطوعي‭ ‬الحر‭ ‬الذي‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬القيودِ‭ ‬والالتزام،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يجبُ‭ ‬على‭ ‬المتطوعين‭ ‬أنْ‭ ‬تُلزِمهم‭ ‬ضمائرُهم‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬حملتْ‭ ‬على‭ ‬أكتافها‭ ‬خدمةَ‭ ‬الوطن‭ ‬والمواطنين‭ ‬دونَ‭ ‬قيدٍ‭ ‬أو‭ ‬شرط‭. ‬قد‭ ‬يُمنع‭ ‬المتطوع‭ ‬وهو‭ ‬شديدُ‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬خدماته‭ ‬لمجتمعه‭ ‬من‭ ‬قِبلِ‭ ‬أسرته؛‭ ‬فيَمنعُ‭ ‬الوالدان‭ ‬أبناءهما‭ ‬من‭ ‬الانخراطِ‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬التطوعي‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يتعارضَ‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬مسيرتهم‭ ‬الدراسية،‭ ‬أو‭ ‬تُمنعَ‭ ‬الزوجةُ‭ ‬من‭ ‬التطوع‭ ‬خوفاً‭ ‬من‭ ‬تقصيرها‭ ‬تجاهَ‭ ‬أسرتها،‭ ‬ويكون‭ ‬اِنتفاءُ‭ ‬المقابلِ‭ ‬المادي‭ ‬سبباً‭ ‬مشتركاً‭ ‬يحدو‭ ‬بأربابِ‭ ‬الأسر‭ ‬لمنعِ‭ ‬أفرادها‭ ‬من‭ ‬التطوع‭. ‬الأسبابُ‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬للعزوف‭ ‬عن‭ ‬التطوع‭ ‬إذاً‭ ‬هي‭ ‬المفاهيمُ‭ ‬المغلوطةُ‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬التطوعي،‭ ‬ما‭ ‬يُوجِبُ‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬ومؤسساتها‭ ‬المختلفة‭ ‬نشرَ‭ ‬الوعي‭ ‬بمفهوم‭ ‬التطوعِ‭ ‬بالمجتمع،‭ ‬وإدراجِ‭ ‬ذلك‭ ‬بالمناهج‭ ‬الدراسية‭ ‬والأنشطةِ‭ ‬اللاصفية،‭ ‬وجعلِ‭ ‬العمل‭ ‬التطوعي‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬شروطِ‭ ‬القبول‭ ‬بالجامعات‭ ‬وحين‭ ‬التقدمِ‭ ‬للوظائف‭ ‬المختلفة‭ ‬والحصولِ‭ ‬على‭ ‬الحوافز‭ ‬والمكافآت‭. ‬ما‭ ‬تقدَّمَ‭ ‬العملُ‭ ‬التطوعي‭ ‬في‭ ‬مجتمع،‭ ‬إلا‭ ‬عمَّ‭ ‬فيه‭ ‬الاستقرارُ‭ ‬ومضى‭ ‬نحو‭ ‬الازدهار،‭ ‬وتذكَّروا‭ ‬أنَّ‭ ‬خدمةَ‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬أفضلِ‭ ‬الأعمال‭ ‬يومَ‭ ‬القيامة‭.‬