عام دراسي جديد

| د. عبدالله الحواج

ليس‭ ‬درسًا‭ ‬لا‭ ‬ينتهي‭.. ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬نسعى‭ ‬لتدشينه‭ ‬مع‭ ‬مطلع‭ ‬عام‭ ‬دراسي‭ ‬جديد،‭ ‬عام‭ ‬تستقبل‭ ‬فيه‭ ‬الجامعات‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حصدته‭ ‬من‭ ‬أفراح‭ ‬وأتراح،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬جاءت‭ ‬به‭ ‬الصدف‭ ‬والجهود،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬أثمرت‭ ‬أو‭ ‬أسفرت‭ ‬عنه‭ ‬تحديات‭ ‬الجائحة،‭ ‬وعناية‭ ‬المشوار‭ ‬الصعب‭.‬

كل‭ ‬ما‭ ‬كنا‭ ‬نؤكد‭ ‬عليه،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬حذرنا‭ ‬منه‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تقع‭ ‬المنظومة‭ ‬في‭ ‬شرك‭ ‬التغافل‭ ‬عن‭ ‬حقائق‭ ‬دامغة،‭ ‬وعن‭ ‬وقائع‭ ‬قاطعة،‭ ‬وعن‭ ‬آثار‭ ‬ينبغي‭ ‬التوافد‭ ‬عليها‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يلتهمها‭ ‬ضعف‭ ‬الذاكرة‭.‬

الجامعات‭ ‬الخاصة‭ ‬تعاني،‭ ‬نعم‭ ‬تعاني،‭ ‬شح‭ ‬الطلبة،‭ ‬تراجع‭ ‬الإقبال،‭ ‬ليس‭ ‬بسبب‭ ‬الجائحة،‭ ‬فالمنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬التكيف،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬وصلت‭ ‬مبكرًا‭ ‬قبل‭ ‬الجائحة،‭ ‬وأبلت‭ ‬بلاءًا‭ ‬حسنًا‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬التقنية،‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬أصبح‭ ‬احترازًا‭ ‬وعن‭ ‬بُعد،‭ ‬أون‭ ‬لاين‭ ‬وبكل‭ ‬ما‭ ‬جاءت‭ ‬به‭ ‬علوم‭ ‬التخاطب‭ ‬الرقمي،‭ ‬نجحت‭ ‬جامعاتنا،‭ ‬بل‭ ‬ونجحت‭ ‬بلادنا‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التحدي‭.‬

رغم‭ ‬ذلك‭ ‬مازلنا‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬حصدت‭ ‬الاعتمادية‭ ‬الأكاديمية،‭ ‬وتفوقت‭ ‬في‭ ‬مضامير‭ ‬الجودة،‭ ‬وانصهرت‭ ‬في‭ ‬تقديرات‭ ‬مؤسسات‭ ‬التصنيف‭ ‬العالمية،‭ ‬وتقلدت‭ ‬مواقع‭ ‬متقدمة‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الإقليم‭ ‬فحسب‭ ‬إنما‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬أيضًا،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬تحقق،‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬يتحقق‭ ‬تسويقه،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬أنجزته‭ ‬جامعاتنا‭ ‬الناجحة،‭ ‬لكنها‭ ‬تعثرت‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الهدف‭.‬

العاهل‭ ‬المفدى‭ ‬حضرة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬أطلق‭ ‬مكرمته‭ ‬السامية‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬بعيدة‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬لكل‭ ‬الناجحين‭ ‬في‭ ‬الثانوية‭ ‬العامة‭ ‬والحاصلين‭ ‬على‭ ‬70‭ ‬بالمئة‭ ‬فأكثر‭ ‬على‭ ‬مقعد‭ ‬بالجامعة،‭ ‬وعندما‭ ‬خرجت‭ ‬هذه‭ ‬المكرمة‭ ‬الكريمة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بالبحرين‭ ‬سوى‭ ‬جامعة‭ ‬حكومية‭ ‬واحدة،‭ ‬لكن‭ ‬وبعد‭ ‬مرور‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬التوجيه‭ ‬السامي،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬لدينا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬15‭ ‬جامعة‭ ‬بات‭ ‬لزامًا‭ ‬علينا‭ ‬توزيع‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الطلبة‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الجامعات‭ ‬وفقًا‭ ‬لطاقتها‭ ‬الاستيعابية‭ ‬وقدراتها‭ ‬العلمية،‭ ‬وتحقيقها‭ ‬للاعتمادية‭ ‬الأكاديمية،‭ ‬وتجنب‭ ‬تشكيل‭ ‬أية‭ ‬ضغوط‭ ‬على‭ ‬جامعة‭ ‬واحدة‭ ‬أو‭ ‬اثنتين‭.‬

رغم‭ ‬ذلك‭ ‬مازال‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬جامعة‭ ‬واحدة،‭ ‬ومازالت‭ ‬بقية‭ ‬الجامعات‭ ‬الحاصلة‭ ‬على‭ ‬الاعتماد‭ ‬الأكاديمي‭ ‬والمجتازة‭ ‬كل‭ ‬اختبارات‭ ‬الجودة،‭ ‬تئن‭ ‬من‭ ‬شح‭ ‬الطلبة،‭ ‬من‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬المشوار‭ ‬الطويل،‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬قاطبةً‭ ‬يتم‭ ‬توزيع‭ ‬الخريجين‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الجامعات‭ ‬حكومية‭ ‬وخاصة‭ ‬بمنتهى‭ ‬العدالة‭ ‬والشفافية،‭ ‬لا‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬جامعة‭ ‬حكومية‭ ‬وجامعة‭ ‬خاصة،‭ ‬فجميعها‭ ‬جامعات‭ ‬وطنية،‭ ‬وجميعها‭ ‬تمثل‭ ‬الدولة‭ ‬والوطن‭ ‬في‭ ‬مضامير‭ ‬العلوم‭ ‬والفنون‭ ‬والآداب‭ ‬وتقنيات‭ ‬المعرفة‭ ‬الحديثة،‭ ‬كل‭ ‬بمدى‭ ‬اعتماديته،‭ ‬وكل‭ ‬بقدر‭ ‬جودته،‭ ‬وكل‭ ‬بمستوى‭ ‬معارفه‭.‬

في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬فرصة‭ ‬ذهبية،‭ ‬أمام‭ ‬تحدٍ‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أكثر‭ ‬صعوبة‭ ‬وأقل‭ ‬مرونة‭ ‬من‭ ‬جائحة‭ ‬كوفيد‭ ‬19،‭ ‬تلك‭ ‬النظرة‭ ‬للجامعات‭ ‬الخاصة،‭ ‬هي‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬التي‭ ‬نواجهها‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬دراسي‭ ‬جديد،‭ ‬يا‭ ‬ترى‭ ‬يا‭ ‬هل‭ ‬ترى،‭ ‬ضاربين‭ ‬أخماسًا‭ ‬في‭ ‬أسداس،‭ ‬هل‭ ‬سنغطي‭ ‬ما‭ ‬نحتاج؟‭ ‬هل‭ ‬يدركنا‭ ‬الحظ‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كنا‭ ‬نتمنى‭ ‬أن‭ ‬تنصفنا‭ ‬المنظومة؟‭ ‬الأمل‭ ‬كبير،‭ ‬حيث‭ ‬مجلس‭ ‬تعليم‭ ‬عالي‭ ‬بدماء‭ ‬جديدة،‭ ‬وروح‭ ‬فضفاضة،‭ ‬وتفهم‭ ‬أعمق‭ ‬لقضايا‭ ‬وتحديات‭ ‬الجامعات،‭ ‬كل‭ ‬الجامعات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تفرقة‭ ‬أو‭ ‬استثناء‭.‬

الآن‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مكرمة‭ ‬العاهل‭ ‬المفدى‭ ‬مكرمتين‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬معاملة‭ ‬بالمثل،‭ ‬معاملة‭ ‬لا‭ ‬تفرق‭ ‬بين‭ ‬الجامعات‭ ‬الحكومية‭ ‬والخاصة‭ ‬إلا‭ ‬بمقدار‭ ‬قدراتها‭ ‬واعتماديتها‭ ‬الأكاديمية‭ ‬وجودة‭ ‬مخرجات‭ ‬علومها‭ ‬وبرامجها،‭ ‬إلا‭ ‬بسمعتها‭ ‬الطيبة‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬التشويه‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬والشوشرة‭ ‬عليها‭ ‬جاثمًا‭ ‬على‭ ‬الصدور‭ ‬حتى‭ ‬فترات‭ ‬قريبة،‭ ‬ومهما‭ ‬كنا‭ ‬على‭ ‬مقربة‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬دراسي‭ ‬جديد‭ ‬نشهد‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬الحسبان‭.‬

جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬تحت‭ ‬السيطرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فريق‭ ‬وطني‭ ‬معتبر‭ ‬ولجنة‭ ‬تنسيقية‭ ‬واعية‭ ‬برئاسة‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه،‭ ‬ومسئولين‭ ‬على‭ ‬أعلى‭ ‬مستوى‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬حيثيات‭ ‬المرحلة‭ ‬والانطلاق‭ ‬بمنظومة‭ ‬المجتمع‭ ‬والاقتصاد‭ ‬إلى‭ ‬آفاق‭ ‬أكثر‭ ‬رحابة‭ ‬وتألقًا‭.‬

اليوم‭ ‬اجتزنا‭ ‬تحدي‭ ‬الإعاقة‭ ‬بفعل‭ ‬جائحة،‭ ‬واليوم‭ ‬ننتقل‭ ‬من‭ ‬“الأصفر‭ ‬إلى‭ ‬الأخضر”‭ ‬بمنتهى‭ ‬الرشاقة‭ ‬والخفة‭ ‬والاحترافية‭ ‬والشفافية،‭ ‬وغدًا‭ ‬ننتظر‭ ‬عاما‭ ‬دراسيا‭ ‬جديدا‭ ‬نتمنى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الرشاقة‭ ‬والخفة‭ ‬والاحترافية‭ ‬والشفافية،‭ ‬وإن‭ ‬غدًا‭ ‬لناظره‭ ‬قريب،‭ ‬وكل‭ ‬عام‭ ‬وأنتم‭ ‬بألف‭ ‬خير‭.‬