المؤذن البريء

| زهير توفيقي

لا‭ ‬يكاد‭ ‬يمر‭ ‬علينا‭ ‬يوم‭ ‬إلا‭ ‬ونتلقى‭ ‬أخبارًا‭ ‬غريبة‭ ‬وعجيبة،‭ ‬بعضها‭ ‬مفرح،‭ ‬والغالبية‭ ‬محزنة‭ ‬مع‭ ‬الأسف،‭ ‬فبسبب‭ ‬الأجهزة‭ ‬الذكية‭ ‬والتطبيقات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬العديدة‭ ‬أصبح‭ ‬العالم‭ ‬قرية‭ ‬صغيرة،‭ ‬والمعلومات‭ ‬تصل‭ ‬للجميع‭ ‬بسرعة‭ ‬البرق‭! ‬وكما‭ ‬ذكرت‭ ‬في‭ ‬مقالي‭ ‬السابق،‭ ‬لكل‭ ‬شيء‭ ‬إيجابيات‭ ‬وسلبيات‭ ‬لكن‭ ‬الأهم‭ ‬أن‭ ‬نأخذ‭ ‬الإيجابيات‭ ‬ونطبقها‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬اليومية‭.‬

وقد‭ ‬قرأت‭ ‬كغيري‭ ‬خبرًا‭ ‬عن‭ ‬مؤذن‭ ‬كويتي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬رفع‭ ‬الأذان‭ ‬وهو‭ ‬يرتدي‭ ‬“شورت”،‭ ‬وقام‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬أحد‭ ‬المصلين‭ ‬لم‭ ‬يعجبه‭ ‬الوضع‭ ‬وبحسن‭ ‬نية‭ ‬بالطبع‭ ‬بتصويره،‭ ‬لينتشر‭ ‬الفيديو‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬الحالة‭.‬

وعلى‭ ‬الفور‭ ‬لاقى‭ ‬محتوى‭ ‬الفيديو‭ ‬استهجان‭ ‬الجميع،‭ ‬وقام‭ ‬المسؤولون‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الأوقاف‭ ‬والشؤون‭ ‬الإسلامية‭ ‬بالتحري‭ ‬واستجواب‭ ‬المؤذن،‭ ‬واتضح‭ ‬لاحقًا‭ ‬أن‭ ‬المؤذن‭ ‬المغلوب‭ ‬على‭ ‬أمره‭ ‬والذي‭ ‬يقوم‭ ‬بواجباته‭ ‬على‭ ‬أكمل‭ ‬وجه‭ ‬ويتمتع‭ ‬بحسن‭ ‬الأخلاق‭ ‬وخدم‭ ‬‮٣٠‬‭ ‬عاماً،‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬بتنظيف‭ ‬مكتبة‭ ‬المسجد‭ ‬وبشكل‭ ‬تطوعي،‭ ‬وفجأة‭ ‬أدرك‭ ‬أن‭ ‬وقت‭ ‬الأذان‭ ‬داهمه‭ ‬وقرر‭ ‬أن‭ ‬يؤذن‭ ‬بما‭ ‬كان‭ ‬يلبسه‭ ‬من‭ ‬ثياب‭ ‬حرصًا‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬التأخير،‭ ‬وقد‭ ‬قام‭ ‬بعدها‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬بتغيير‭ ‬ملابسه‭.‬

وبعد‭ ‬سردنا‭ ‬هذه‭ ‬الواقعة،‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ ‬والمواقف‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تحصل‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬ويكون‭ ‬أصحابها‭ ‬أبرياء،‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬شريف‭ ‬“إنما‭ ‬الأعمال‭ ‬بالنيات‭ ‬وإنما‭ ‬لكل‭ ‬امرئ‭ ‬ما‭ ‬نوى”،‭ ‬إذا‭ ‬دعونا‭ ‬دومًا‭ ‬وأبدًا‭ ‬نحسن‭ ‬نوايانا‭ ‬تجاه‭ ‬الآخرين‭. ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬المؤذن‭ ‬وحسب‭ ‬المعلومات‭ ‬التي‭ ‬وردت‭ ‬لاحقًا‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬‮٣٠‬‭ ‬عامًا‭ ‬ويتمتع‭ ‬بحسن‭ ‬الخلق‭ ‬والإخلاص‭ ‬في‭ ‬عمله،‭ ‬فمن‭ ‬غير‭ ‬المنصف‭ ‬أن‭ ‬ينشر‭ ‬الفيديو‭ ‬للعامة‭ ‬قبل‭ ‬التأكد‭ ‬والتحقق‭ ‬من‭ ‬الموضوع‭. ‬

لقد‭ ‬أصبحنا‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬قلق‭ ‬مستمر‭ ‬بسبب‭ ‬سوء‭ ‬استخدام‭ ‬الهواتف‭ ‬الذكية‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬فقد‭ ‬أصبحت‭ ‬نقمة،‭ ‬وأصبحنا‭ ‬نخشى‭ ‬أن‭ ‬نتصرف‭ ‬بعفويتنا‭ ‬وسجيتنا‭ ‬في‭ ‬مناسبات‭ ‬كثيرة‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬عائلية‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬الأصدقاء‭ ‬كاحتفالات‭ ‬أعياد‭ ‬الميلاد‭ ‬والعيدين‭ ‬والزواج‭ ‬وغيرها،‭ ‬أصبحنا‭ ‬نحبس‭ ‬مشاعر‭ ‬الفرح‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬الحضور‭ ‬بالتصوير،‭ ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬وصل‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬الأتراح،‭ ‬إذ‭ ‬يقوم‭ ‬البعض‭ ‬بتصوير‭ ‬حال‭ ‬أهل‭ ‬المتوفى‭ ‬في‭ ‬المقبرة‭! ‬أتمنى‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬قلبي‭ ‬ومن‭ ‬باب‭ ‬الحرص‭ ‬واحترام‭ ‬خصوصيات‭ ‬الجميع‭ ‬عدم‭ ‬نشر‭ ‬أو‭ ‬تصوير‭ ‬أي‭ ‬موقف‭ ‬لسبب‭ ‬أو‭ ‬لآخر‭.. ‬إذا‭ ‬ابتليتم‭ ‬فاستتروا،‭ ‬والله‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬القصد‭.‬