لواء الإسكندرون بين الانتماء والهوية

| عبدعلي الغسرة

في‭ ‬الثامن‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬مايو‭ ‬1938م‭ ‬أذاع‭ ‬راديو‭ ‬إسطنبول‭ ‬نبأ‭ ‬اتفاق‭ ‬سري‭ ‬بين‭ ‬فرنسا‭ ‬وتركيا‭ ‬عُقد‭ ‬في‭ ‬جنيف‭ ‬في‭ (‬10‭ ‬مارس‭ ‬1938م‭) ‬تعهدت‭ ‬بموجبه‭ ‬فرنسا‭ ‬بضمان‭ ‬أغلبية‭ ‬تركية‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬لواء‭ ‬الإسكندرون،‭ ‬وهذا‭ ‬التعهد‭ ‬لم‭ ‬يُنفذ،‭ ‬فقامت‭ ‬تركيا‭ ‬بحشد‭ ‬قواتها‭ ‬على‭ ‬حدود‭ ‬اللواء‭ ‬وضمته‭ ‬تحت‭ ‬اسم‭ (‬هاتاي‭)‬،‭ ‬وبعد‭ ‬فصله‭ ‬عن‭ ‬سوريا‭ ‬نزح‭ ‬العرب‭ ‬والأرمن‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬مختلف‭ ‬المدن‭ ‬السورية،‭ ‬ومنذُ‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭ ‬تم‭ ‬اعتبار‭ ‬اللواء‭ ‬“أرضًا‭ ‬محتلة”،‭ ‬ولم‭ ‬يحصل‭ ‬اللواء‭ ‬السليب‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬اعتراف‭ ‬دولي‭ ‬شرعي‭.‬

ويقع‭ ‬لواء‭ ‬الإسكندرون‭ ‬في‭ ‬زاوية‭ ‬يُشكلها‭ ‬الشاطئ‭ ‬الشرقي‭ ‬من‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬والحدود‭ ‬السورية‭ ‬التركية،‭ ‬وهي‭ ‬المحافظة‭ ‬الخامسة‭ ‬عشرة‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬وكان‭ ‬تابعًا‭ ‬لولاية‭ ‬حلب‭ ‬ابان‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية،‭ ‬وأغلب‭ ‬سكانه‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬السوريين‭ ‬بنحو‭ (‬61‭ %) ‬بحسب‭ ‬إحصاءات‭ (‬1939م‭)‬،‭ ‬ويتكون‭ ‬من‭ ‬ست‭ ‬مدن،‭ ‬ومازالت‭ ‬خرائط‭ ‬سوريا‭ ‬تتضمنه‭ ‬وتظهره‭ ‬كمنطقة‭ ‬سورية‭ ‬محتلة،‭ ‬وكمنفذ‭ ‬لولاية‭ ‬حلب‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط،‭ ‬ويقع‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬تركيا‭ ‬بمسمى‭ ‬المحافظة‭ ‬الحادية‭ ‬والثمانين،‭ ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬لتركيا‭ ‬أن‭ ‬اعترفت‭ ‬باللواء‭ ‬“كأرض‭ ‬سورية‭ ‬بموجب‭ ‬المادة‭ ‬16‭ ‬من‭ ‬اتفاقية‭ ‬لوزان‭ ‬في‭ ‬1920م”‭.‬

ولحسم‭ ‬النزاع‭ ‬بين‭ ‬سوريا‭ ‬وتركيا‭ ‬حول‭ ‬اللواء‭ ‬قررت‭ ‬فرنسا‭ ‬رفع‭ ‬الأمر‭ ‬لعصبة‭ ‬الأمم‭ ‬في‭ ‬جنيف،‭ ‬واقترحت‭ ‬“أن‭ ‬تكون‭ ‬منطقة‭ ‬اللواء‭ ‬منزوعة‭ ‬السلاح‭ ‬وتابعة‭ ‬لسوريا‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬المالية‭ ‬والإدارية‭ ‬وبسياستها‭ ‬الخارجية”،‭ ‬فطالبت‭ ‬عصبة‭ ‬الأمم‭ ‬بإجراء‭ ‬استفتاء‭ ‬تشرف‭ ‬عليه‭ ‬لجنة‭ ‬مشتركة‭ ‬بين‭ ‬الفرنسيين‭ ‬والأتراك‭ ‬لمعرفة‭ ‬رغبة‭ ‬سكان‭ ‬اللواء‭ ‬بالانضمام‭ ‬لأية‭ ‬دولة‭ ‬يريدون،‭ ‬قبل‭ ‬الطرفان‭ ‬بذلك،‭ ‬فجرى‭ ‬الاستفتاء‭ ‬في‭ ‬1932م،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تركيا‭ ‬قامت‭ ‬بنقل‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الأتراك‭ ‬إلى‭ ‬اللواء،‭ ‬كما‭ ‬قامت‭ ‬تركيا‭ ‬وبدعم‭ ‬من‭ ‬فرنسا‭ ‬بممارسة‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الضغوطات‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬فقلبت‭ ‬موازين‭ ‬الاستفتاء‭ ‬لصالحها‭. ‬وتم‭ ‬فصل‭ ‬اللواء‭ ‬كليًاً‭ ‬عن‭ ‬سوريا‭ ‬وأصبح‭ ‬تركيًا،‭ ‬وقد‭ ‬دخل‭ ‬الجيش‭ ‬التركي‭ ‬اللواء‭ (‬يوم‭ ‬4‭ ‬تموز‭ ‬1938م‭) ‬ومازال‭ ‬هناك‭. ‬وبعد‭ (‬82‭) ‬عامًا‭ ‬سيظل‭ ‬اللواء‭ ‬أرضا‭ ‬عربية،‭ ‬راسخة‭ ‬في‭ ‬الوجدان‭ ‬العربي‭ ‬بحتمية‭ ‬عودته‭ ‬إلى‭ ‬حضنه‭ ‬السوري‭ ‬والعربي،‭ ‬فاللواء‭ ‬عربي‭ ‬الانتماء‭ ‬والوجود‭ ‬والهوية‭.‬