ستة على ستة

احتواء طالبان

| عطا السيد الشعراوي

كان‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة‭ ‬والحركات‭ ‬المتعاطفة‭ ‬والمتحالفة‭ ‬معه‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬تدعمه‭ ‬كطالبان‭ ‬وغيرها‭ ‬هدفا‭ ‬جامعا‭ ‬لدول‭ ‬العالم‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬عشرين‭ ‬عامًا،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬سهل‭ ‬تشكيل‭ ‬تحالف‭ ‬دولي‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬الإرهاب،‭ ‬فوجه‭ ‬ضرباته‭ ‬ومدافعه‭ ‬صوب‭ ‬أفغانستان‭ ‬حيث‭ ‬مقر‭ ‬هذه‭ ‬الحركات،‭ ‬ونجح‭ ‬في‭ ‬إضعاف‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة‭ ‬وقتل‭ ‬مؤسسه‭ ‬وزعيمه‭ ‬أسامة‭ ‬بن‭ ‬لادن‭.‬

وبعد‭ ‬عشرين‭ ‬عامًا‭ ‬فوجئ‭ ‬العالم‭ ‬بمشهد‭ ‬مربك‭ ‬وسريع‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬أفغانستان‭ ‬تمكنت‭ ‬طالبان‭ ‬في‭ ‬نهايته‭ ‬من‭ ‬إحكام‭ ‬قبضتها‭ ‬وتولي‭ ‬مقاليد‭ ‬الحكم‭ ‬سريعًا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬في‭ ‬سيناريو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بخيال‭ ‬أي‭ ‬مؤلف‭.‬

غرابة‭ ‬وسرعة‭ ‬الأحداث‭ ‬ودراماتيكيتها‭ ‬أدت‭ ‬لتفسيرات‭ ‬متباينة‭ ‬وعديدة‭ ‬إزاء‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬وكيفية‭ ‬حدوثه‭ ‬وتأثيراته‭ ‬وأسبابه،‭ ‬ومن‭ ‬أهمها‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬مستشار‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الأميركي‭ ‬السابق،‭ ‬هنري‭ ‬كيسنجر؛‭ ‬بأن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬وجدت‭ ‬نفسها‭ ‬تتحرك‭ ‬للانسحاب‭ ‬من‭ ‬أفغانستان‭ ‬دون‭ ‬التشاور‭ ‬مع‭ ‬الحلفاء‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬دخلت‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬وسط‭ ‬دعم‭ ‬شعبي‭ ‬بعد‭ ‬هجمات‭ ‬11‭ ‬سبتمبر،‭ ‬ونجحت‭ ‬بفاعلية‭ ‬كبيرة‭ ‬وهربت‭ ‬طالبان‭ ‬إلى‭ ‬الملاذات،‭ ‬لكنها‭ (‬أميركا‭)‬‭ ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬هدف‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬حديثة‭ ‬ذات‭ ‬مؤسسات‭ ‬ديمقراطية‭ ‬وحكومة‭ ‬دستورية‭.‬

النقطة‭ ‬الأهم‭ ‬في‭ ‬تحليل‭ ‬كيسنجر‭ ‬في‭ ‬رأيي‭ ‬هي‭ ‬تأكيده‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬طالبان،‭ ‬لكن‭ ‬يمكن‭ ‬احتواؤها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬ضرورة‭ ‬التعامل‭ ‬والعمل‭ ‬مع‭ ‬طالبان‭ ‬باعتبارها‭ ‬الجهة‭ ‬الحاكمة،‭ ‬فالمشهد‭ ‬الأفغاني‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬ستكون‭ ‬هناك‭ ‬هبة‭ ‬إقليمية‭ ‬ودولية‭ ‬لحجز‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬المكاسب‭ ‬وأخذ‭ ‬النصيب‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬الكعكة‭ ‬الأفغانية‭ ‬المملوءة‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬المغريات‭ ‬المادية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتطلب‭ ‬ضرورة‭ ‬وجود‭ ‬تحرك‭ ‬إسلامي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬استقرار‭ ‬الأوضاع‭ ‬بأسرع‭ ‬وقت،‭ ‬وألا‭ ‬تترك‭ ‬أفغانستان‭ ‬وشعبها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬غير‭ ‬متكافئة‭ ‬مع‭ ‬أطرف‭ ‬كثيرة‭ ‬يحركها‭ ‬الطمع‭ ‬في‭ ‬ثروات‭ ‬أفغانستان‭ ‬ولن‭ ‬تعنيها‭ ‬مصالح‭ ‬شعبها،‭ ‬فهي‭ ‬بالنهاية‭ ‬دولة‭ ‬إسلامية‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬تمتد‭ ‬إليها‭ ‬يد‭ ‬الدول‭ ‬الإسلامية‭ ‬بالعون‭ ‬والدعم‭ ‬والمساندة‭ ‬لتقوم‭ ‬دولة‭ ‬طبيعية‭ ‬تمثل‭ ‬إضافة‭ ‬للرصيد‭ ‬الإسلامي‭ ‬ولا‭ ‬تكون‭ ‬خصمًا‭ ‬منه‭ ‬أو‭ ‬عدوًا‭ ‬له‭.‬