زبدة القول

أسوأ ما في المشهد الأفغاني

| د. بثينة خليفة قاسم

عندما‭ ‬جاءت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلنطي‭ ‬إلى‭ ‬أفغانستان‭ ‬انضم‭ ‬إليها‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الأفغان،‭ ‬وعملوا‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬عشرات‭ ‬الوظائف‭ ‬من‭ ‬مترجمين‭ ‬وأصحاب‭ ‬حرف‭ ‬يدوية‭ ‬ومهن‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة،‭ ‬وقد‭ ‬بنى‭ ‬هؤلاء‭ ‬الناس‭ ‬حياتهم‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬وكأن‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬سيدوم‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭.‬

هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬التي‭ ‬ربطت‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬الناس‭ ‬وبين‭ ‬قوات‭ ‬الدول‭ ‬الأجنبية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مجرد‭ ‬علاقة‭ ‬عمل‭ ‬عادية‭ ‬يكسبون‭ ‬منها‭ ‬عيشهم،‭ ‬لكنها‭ ‬أصبحت‭ ‬علاقة‭ ‬مصير‭ ‬واحد،‭ ‬لأن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الناس‭ ‬أصبحوا‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬طالبان‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الجماعات‭ ‬خونة‭ ‬وطابورا‭ ‬خامسا،‭ ‬وجزاؤهم‭ ‬الذبح‭ ‬لأنهم‭ ‬تعاونوا‭ ‬مع‭ ‬الأجنبي‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬التعاون،‭ ‬فهم‭ ‬جواسيس‭ ‬في‭ ‬رأي‭ ‬طالبان‭.‬

وعندما‭ ‬جاءت‭ ‬لحظة‭ ‬رحيل‭ ‬القوات‭ ‬الأميركية‭ ‬والبريطانية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يعرفها‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأفغان‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬ولم‭ ‬يكونوا‭ ‬مستعدين‭ ‬لها‭ ‬بأي‭ ‬شكل،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يفصل‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬الذبح‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬طالبان‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬يحملهم‭ ‬الأميركان‭ ‬والبريطانيون‭ ‬معهم‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬الطائرات،‭ ‬ليبدأوا‭ ‬حياة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬لأنهم‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬بلدهم‭ ‬الأصلي‭ ‬سوى‭ ‬في‭ ‬القبور‭.‬

والطامة‭ ‬الكبرى‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬أقارب‭ ‬هؤلاء‭ ‬المساكين‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬درجات‭ ‬القرابة‭ ‬هم‭ ‬أيضا‭ ‬خونة‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬طالبان،‭ ‬وجزاؤهم‭ ‬الذبح‭ ‬أيضا،‭ ‬ولو‭ ‬افترضنا‭ ‬أن‭ ‬شخصا‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬مع‭ ‬القوات‭ ‬الأجنبية‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬ينفذ‭ ‬بجلده‭ ‬ويصعد‭ ‬على‭ ‬إحدى‭ ‬الطائرات‭ ‬المتجهة‭ ‬إلى‭ ‬لندن‭ ‬أو‭ ‬واشنطن‭ ‬أو‭ ‬برلين،‭ ‬ففي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬سيترك‭ ‬أسرته‭ ‬وأبناء‭ ‬عمومته‭ ‬وأبناء‭ ‬أخواله‭ ‬يواجهون‭ ‬الموت‭ ‬بسببه،‭ ‬وقد‭ ‬رأينا‭ ‬بالفعل‭ ‬أمثلة‭ ‬كثيرة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭.‬

إنها‭ ‬لحظة‭ ‬مأساوية‭ ‬بكل‭ ‬المقاييس‭ ‬ومهما‭ ‬قالت‭ ‬أميركا‭ ‬أو‭ ‬بريطانيا‭ ‬إنها‭ ‬أخذت‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬إلى‭ ‬بر‭ ‬الأمان‭ ‬فهناك‭ ‬خلفهم‭ ‬آلاف‭ ‬آخرون‭ ‬ينتظرون‭ ‬دورهم‭ ‬في‭ ‬الذبح‭ ‬كنتيجة‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬الحملة‭ ‬الأميركية‭ ‬البريطانية‭ ‬على‭ ‬أفغانستان‭.‬