مُلتقطات

سوق الحدادة إلى “اندثار”!

| د. جاسم المحاري

يُواجه‭ ‬العاملون‭ ‬في‭ ‬مهنة‭ ‬الحدادة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المشاق‭ ‬والصعوبات،‭ ‬ويتعرضون‭ ‬للعلل‭ ‬والأمراض‭ ‬كنتيجة‭ ‬طبيعية‭ ‬لعملهم،‭ ‬والتي‭ ‬تصيبهم‭ ‬بحساسية‭ ‬العيون‭ ‬وجفافها‭ ‬وتشقّقات‭ ‬سطح‭ ‬القرنية‭ ‬والشبكية‭ ‬وموت‭ ‬الخلايا‭ ‬الدمعية‭ ‬حتى‭ ‬فقدان‭ ‬البصر‭ ‬بعد‭ ‬بقائهم‭ ‬ساعات‭ ‬طويلة‭ ‬تحت‭ ‬الحرارة‭ ‬العالية‭ ‬والأشعة‭ ‬فوق‭ ‬البنفسجية‭ ‬وما‭ ‬تحت‭ ‬الحمراء،‭ ‬كما‭ ‬تترك‭ ‬تأثيرات‭ ‬الحرارة‭ ‬العالية‭ ‬أيضاً‭ ‬اضطرابات‭ ‬جلدية‭ ‬وحساسية‭ ‬تظهر‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬بقع‭ ‬حمراء‭ ‬منتفخة‭ ‬يصاحبها‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الحكة‭ ‬وفطريات‭ ‬تحت‭ ‬الإبط‭ ‬ومنطقة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الفخذين،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الاضطرابات‭ ‬النفسية‭ ‬والعصبية‭ ‬التي‭ ‬تُشعرهم‭ ‬بالضيق‭ ‬وزيادة‭ ‬الأخطاء‭ ‬وحدوث‭ ‬الإصابات‭ ‬ونقص‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التركيز‭ ‬والتّعب‭ ‬والإرهاق‭ ‬وتقلّص‭ ‬العضلات‭ ‬اللاإرادي‭ ‬في‭ ‬الساقين‭ ‬وجدار‭ ‬البطن‭ ‬وتمدد‭ ‬الأوعية‭ ‬الدموية‭ ‬بالجلد،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬زيادة‭ ‬ضربات‭ ‬القلب‭ ‬والدوخة‭ ‬والصداع‭ ‬والقيء‭ ‬والزغللة‭ ‬والتشنجات‭ ‬العصبية‭ ‬والإغماء‭ ‬وفقدان‭ ‬الوعي‭ ‬حتى‭ ‬الوفاة‭.‬

مهنة‭ ‬المشاق‭ ‬والصّعاب‭ ‬هذه‭ ‬التي‭ ‬يمضي‭ ‬فيها‭ ‬الحدّادون‭ ‬البحرينيون‭ ‬ساعات‭ ‬طويلة‭ ‬يومياً‭ ‬مع‭ ‬الحديد‭ ‬والنار،‭ ‬وسط‭ ‬بيئة‭ ‬خطرة‭ ‬يتعرضون‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬العالية‭ ‬وبرادة‭ ‬الحديد‭ ‬الساخنة‭ ‬ونقص‭ ‬في‭ ‬كميات‭ ‬الأكسجين‭ ‬وانبعاث‭ ‬الغازات‭ ‬الضارة؛‭ ‬تبقى‭ ‬منهم‭ ‬النّزر‭ ‬القليل‭ ‬الذي‭ ‬ظّل‭ ‬ملازماً‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أنْ‭ ‬يُحافظ‭ ‬عليها‭ ‬باعتبارها‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬المعالم‭ ‬التراثية‭ ‬المهمة‭ ‬لبلادنا‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬هي‭ ‬مهنة‭ ‬تقليديّة‭ ‬قديمة‭ ‬يؤمها‭ ‬السّياح‭ ‬الخليجيون‭ ‬والعرب‭ ‬والأجانب‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬توارثتها‭ ‬الأجيال‭ ‬أباً‭ ‬عن‭ ‬جد‭ ‬واستطاعت‭ ‬فيها‭ ‬تطويع‭ ‬مادة‭ ‬الحديد‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬لتأمين‭ ‬قوت‭ ‬يومها‭ ‬وأن‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬مصدر‭ ‬رزقها‭.‬

هذه‭ ‬المهنة‭ ‬ذات‭ ‬التاريخ‭ ‬العريق‭ ‬الذي‭ ‬يرجع‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬150‭ ‬سنة‭ ‬مضت،‭ ‬وارتبطت‭ ‬قديماً‭ ‬بمنطقة‭ ‬“الحورة”‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬للاندثار‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬ساءت‭ ‬أوضاع‭ ‬مُمارسيها‭ ‬المعيشية‭ ‬وتعثرّت‭ ‬حالتهم‭ ‬الاقتصادية؛‭ ‬ما‭ ‬اضطرّ‭ ‬العديد‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬تركها‭ ‬بعد‭ ‬إلغاء‭ ‬السوق‭ ‬القديمة‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬وبقاء‭ ‬القليل‭ ‬منهم‭ ‬يعمل‭ ‬بسجلات‭ ‬افتراضية،‭ ‬أي‭ ‬عدم‭ ‬تطابق‭ ‬العنوان‭ ‬مع‭ ‬موقع‭ ‬العمل،‭ ‬حتى‭ ‬العام‭ ‬2020م‭ ‬الذي‭ ‬أوقف‭ ‬فيه‭ ‬تجديد‭ ‬سجلاتهم‭ ‬وإقامات‭ ‬عمّالهم‭ ‬وتفرّق‭ ‬أصحابها‭ ‬بمختلف‭ ‬مناطق‭ ‬البحرين‭ ‬كالسّهلة‭ ‬وسلماباد‭ ‬ومدينة‭ ‬حمد،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬سبّب‭ ‬لهم‭ ‬عبئاً‭ ‬إضافياً‭ ‬أثقل‭ ‬كاهلهم‭ ‬لاضطرارهم‭ ‬لدفع‭ ‬إيجارات‭ ‬مرتفعة‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬كانوا‭ ‬ينعمون‭ ‬بدفع‭ ‬مبالغ‭ ‬رمزية‭ ‬في‭ ‬السابق‭. ‬“المقال‭ ‬كاملا‭ ‬في‭ ‬الموقع‭ ‬الإلكتروني”‭.‬