أفغانستان... من يملأ الفراغ

| يوسف الحداد

تهاوت‭ ‬المدن‭ ‬والمحافظات‭ ‬الأفغانية‭ ‬الواحدة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬حركة‭ ‬“طالبان”‭ ‬بشكل‭ ‬مفاجئ،‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬توقعات‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الأميركية‭ ‬أن‭ ‬تصمد‭ ‬حكومة‭ ‬كابول‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭ ‬على‭ ‬أقل‭ ‬تقدير‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الحركة‭ ‬قد‭ ‬أحكمت‭ ‬قبضتها‭ ‬على‭ ‬العاصمة،‭ ‬وأدى‭ ‬هذا‭ ‬الانهيار‭ ‬لحدوث‭ ‬فراغ‭ ‬استراتيجي،‭ ‬وأثار‭ ‬قلقاً‭ ‬كبيراً‭ ‬لاسيما‭ ‬لدى‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬الأفغاني‭.‬

لكن‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬هل‭ ‬ستكون‭ ‬طالبان‭ ‬نسخة‭ ‬معدلة‭ ‬من‭ ‬السابق،‭ ‬وهل‭ ‬سنشهد‭ ‬تغييرات‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬سياساتها‭ ‬داخلياً‭ ‬وخارجياً،‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬إن‭ ‬الخطابات‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬قادة‭ ‬طالبان‭ ‬ومنهم‭ ‬المتحدث‭ ‬باسمها‭ ‬ذبيح‭ ‬الله‭ ‬مجاهد‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬مؤتمر‭ ‬صحافي‭ ‬للحركة‭ ‬تضمنت‭ ‬تطمينات‭ ‬وتعهدات‭ ‬للداخل‭ ‬والخارج،‭ ‬حيث‭ ‬تعهدت‭ ‬الحركة‭ ‬بإعطاء‭ ‬النساء‭ ‬حقوقهن‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬والتعليم،‭ ‬وإلزامهن‭ ‬فقط‭ ‬بارتداء‭ ‬الحجاب‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬قوانين‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وهو‭ ‬مفهوم‭ ‬مطاط‭ ‬وعام،‭ ‬كما‭ ‬أصدرت‭ ‬الحركة‭ ‬عفواً‭ ‬عاماً‭ ‬عن‭ ‬موظفي‭ ‬الحكومة‭ ‬وكذلك‭ ‬قوات‭ ‬الجيش‭ ‬والمتعاونين‭ ‬مع‭ ‬القوات‭ ‬الأميركية‭ ‬وقوات‭ ‬حلف‭ ‬الناتو،‭ ‬وطالبت‭ ‬الشباب‭ ‬الأفغان‭ ‬بالبقاء‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬لتنمية‭ ‬بلدهم،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تعهد‭ ‬الحركة‭ ‬بألا‭ ‬تكون‭ ‬أفغانستان‭ ‬نقطة‭ ‬تهديد‭ ‬للدول‭ ‬الخارجية‭ ‬أو‭ ‬دول‭ ‬الجوار،‭ ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬مأوى‭ ‬للتنظيمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬مثل‭ ‬داعش‭ ‬والقاعدة،‭ ‬لكن‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العملي‭ ‬فإن‭ ‬الدول‭ ‬الخارجية‭ ‬والغربية‭ ‬اتسم‭ ‬موقفها‭ ‬بالحذر‭ ‬من‭ ‬تعهدات‭ ‬وتصريحات‭ ‬قادة‭ ‬طالبان،‭ ‬ورهنوها‭ ‬بتغيير‭ ‬حقيقي‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬الحركة‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬أي‭ ‬ترجمة‭ ‬الأقوال‭ ‬إلى‭ ‬أفعال‭. ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬أطلق‭ ‬الانسحاب‭ ‬الأميركي‭ ‬من‭ ‬أفغانستان‭ ‬سباقاً‭ ‬بين‭ ‬عدة‭ ‬توازنات‭ ‬إقليمية‭ ‬لملء‭ ‬الفراغ،‭ ‬حيث‭ ‬بدأت‭ ‬باكستان‭ ‬وإيران‭ ‬وتركيا‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬تعد‭ ‬نفسها‭ ‬لمرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬أميركا،‭ ‬فباكستان‭ ‬البلد‭ ‬المجاور‭ ‬سيزداد‭ ‬نفوذه‭ ‬بحكم‭ ‬العلاقة‭ ‬التاريخية،‭ ‬وستعمل‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬موطئ‭ ‬قدم‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬عبر‭ ‬أقلية‭ ‬الهزارة،‭ ‬بينما‭ ‬ستسعى‭ ‬تركيا‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬عبر‭ ‬بناء‭ ‬تواصل‭ ‬مع‭ ‬حركة‭ ‬طالبان‭ ‬وتقديم‭ ‬الدعم‭ ‬الأمني‭ ‬الذي‭ ‬تحتاجه‭ ‬الحركة،‭ ‬كما‭ ‬تلوح‭ ‬بوادر‭ ‬تفاهم‭ ‬بين‭ ‬بكين‭ ‬وحركة‭ ‬طالبان‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬وروسيا‭ ‬وطالبان‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬تأكيد‭ ‬الحركة‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تتدخل‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬“الإيغور”‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬باعتبارها‭ ‬أمراً‭ ‬داخلياً،‭ ‬كما‭ ‬أكدت‭ ‬الحركة‭ ‬أنها‭ ‬ستعمل‭ ‬على‭ ‬تحسين‭ ‬علاقتها‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭. ‬هكذا‭ ‬مرت‭ ‬الأعوام‭ ‬العشرة‭ ‬للوجود‭ ‬السوفيتي،‭ ‬تماماً‭ ‬كما‭ ‬مرت‭ ‬الأعوام‭ ‬العشرون‭ ‬على‭ ‬الغزو‭ ‬الأميركي‭ ‬وقبلها‭ ‬الاحتلال‭ ‬البريطاني‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يغير‭ ‬ذلك‭ ‬شيئاً‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬الأفغان،‭ ‬وكأن‭ ‬الشعب‭ ‬الأفغاني‭ ‬يقول‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬يأتي‭ ‬ونحن‭ ‬باقون‭.‬