الابتكار في رسـائل الاحتيال

| م. نبيل بن عبدالرحمن آل محمود

‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬للابتكارات‭ ‬مبادرات‭ ‬إيجابية‭ ‬ترتقي‭ ‬بأفراد‭ ‬ومؤسسات‭ ‬ومجتمعات،‭ ‬كذلك‭ ‬لها‭ ‬مبادرات‭ ‬سلبية‭ ‬تهدم‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬الابتكارات‭ ‬الإيجابية‭ ‬أكثر‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬القيمة‭ ‬التي‭ ‬تضيفها‭ ‬أوالتطور‭ ‬الذي‭ ‬تقوده‭ ‬أوتخفيض‭ ‬التكلفة‭ ‬التي‭ ‬تنتج‭ ‬عنها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬السلبية‭ ‬منها‭ ‬وإن‭ ‬قلت‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬ضارة‭ ‬ومكلفة،‭ ‬ومنها‭ ‬استخدامات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬بشكل‭ ‬سلبي‭ ‬ومُضر‭ ‬يلقي‭ ‬بظلاله‭ ‬على‭ ‬المستخدم‭ ‬الذي‭ ‬وثق‭ ‬بالتقنية‭ ‬أو‭ ‬بالنظام‭. ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الاستخدامات‭ ‬السلبية‭ ‬الضارة،‭ ‬رسائل‭ ‬الاحتيال‭ ‬الصادرة‭ ‬من‭ ‬تقنية‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬تصل‭ ‬لمستـوى‭ ‬متقـدم‭ ‬لا‭ ‬يُمكن‭ ‬متلقيها‭ ‬من‭ ‬تمييزها‭ ‬عن‭ ‬رسائل‭ ‬البشر‭. ‬

فلطالما‭ ‬مثلت‭ ‬قدرة‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬اللغات‭ ‬الطبيعية‭ ‬قلقًا‭ ‬للعلماء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬استخدامها‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬محتوى‭ ‬رسائل‭ ‬البريد‭ ‬الإلكتروني‭ ‬الاحتيالية‭ ‬وبجودة‭ ‬عالية‭ ‬لا‭ ‬تتميز‭ ‬عن‭ ‬مثيلاتها‭ ‬من‭ ‬رسائل‭ ‬البشر‭. ‬ومما‭ ‬زاد‭ ‬ذاك‭ ‬الهاجس‭ ‬هو‭ ‬إمكانية‭ ‬اعتماد‭ ‬المحتالين‭ ‬مستقبلًا‭ ‬على‭ ‬أنظمة‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬الخدمات‭ ‬المتوافرة‭ ‬بالسوق‭ ‬وبأسعار‭ ‬زهيدة،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يُساهم‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬رسائلهم‭ ‬الاحتيالية‭ ‬كرسائل‭ ‬التصيـُد‭. ‬

وأثناء‭ ‬فعاليات‭ ‬مؤتمر‭ ‬“Black Hat and Defcon”،‭ ‬الذي‭ ‬عُقد‭ ‬في‭ ‬31‭ ‬يوليو‭ ‬حتى‭ ‬5‭ ‬أغسطس‭ ‬2021‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية،‭ ‬عرض‭ ‬فريق‭ ‬تابع‭ ‬للوكالة‭ ‬الحكومية‭ ‬للتكنولوجيا‭ ‬بسنغافورة‭ ‬نتائج‭ ‬تجربة‭ ‬عملية‭ ‬تم‭ ‬تنفيذها‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض،‭ ‬وقد‭ ‬اعتمدت‭ ‬التجربة‭ ‬على‭ ‬إرسال‭ ‬رسائل‭ ‬تصيد‭ ‬عبر‭ ‬البريد‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬أنواع‭ ‬هجمات‭ ‬الاختراق،‭ ‬وقد‭ ‬احتوت‭ ‬الرسائل‭ ‬رابطًا‭ ‬ضارًا‭ ‬وهدفت‭ ‬لدفع‭ ‬المتلقي‭ ‬للضغط‭ ‬عليه،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬إرسال‭ ‬ذات‭ ‬الرسائل‭ ‬لشريحة‭ ‬تُقارب‭ ‬200‭ ‬شخص‭. ‬وقد‭ ‬كُتبت‭ ‬بعض‭ ‬الرسائل‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أعضاء‭ ‬الفريق‭ ‬وبعضها‭ ‬الآخر‭ ‬كُتب‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬تقنية‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭. ‬طبعًا‭ ‬لم‭ ‬تكُن‭ ‬الروابط‭ ‬المتضمنة‭ ‬بالرسائل‭ ‬مضرة،‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬تقيس‭ ‬مدى‭ ‬تفاعل‭ ‬المتلقي‭ ‬مع‭ ‬هكذا‭ ‬رسائل‭ ‬وتعكس‭ ‬لفريق‭ ‬العمل‭ ‬عدد‭ ‬مرات‭ ‬الضغط‭ ‬عليها‭. ‬

المفاجأة‭ ‬كانت‭ ‬نجاح‭ ‬الرسائل‭ ‬المكتوبة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬تقنية‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬عدد‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬مرات‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الرابط‭ ‬المخادع‭ ‬مقارنة‭ ‬بالرسائل‭ ‬المكتوبة‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬وبنسبة‭ ‬عالية‭. ‬ذلك‭ ‬يُدلل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المحتالين‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يحتاجون‭ ‬مستقبلًا‭ ‬لتطوير‭ ‬أنظمة‭ ‬متكاملة‭ ‬لعمليات‭ ‬الاحتيال،‭ ‬فبإمكانهم‭ ‬استغلال‭ ‬برمجيات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬المطوَرة‭ ‬مسبقًا‭ ‬لاستغلالها‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬الاحتيال‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬لقدرات‭ ‬شخصية‭ ‬لتطوير‭ ‬برمجيات‭ ‬خاصة‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬شاكل،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬أنه‭ ‬بإمكانهم‭ ‬استخدام‭ ‬نماذج‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬مفتوحة‭ ‬المصدر‭ ‬مثل‭ ‬“OpenAI”،‭ ‬علما‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التجربة‭ ‬المشار‭ ‬لها‭ ‬استخدم‭ ‬فريق‭ ‬العمل‭ ‬نموذجا‭ ‬من‭ ‬نماذج‭ ‬“OpenAI”،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬اعتماده‭ ‬على‭ ‬تقنيات‭ ‬ذكاء‭ ‬اصطناعي‭ ‬أخرى‭ ‬متاحة،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬التقنيات‭ ‬تُسهل‭ ‬فهم‭ ‬وتحليل‭ ‬الشخصيات‭ ‬المستهدفة‭ ‬في‭ ‬التجربة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تسهيل‭ ‬عملية‭ ‬الاحتيال‭ ‬عليها‭ ‬ليسهل‭ ‬خداعها‭. ‬

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬النتائج‭ ‬المفزعة‭ ‬والأرقام‭ ‬المؤثرة‭ ‬لهذه‭ ‬التجربة‭ ‬تحتاج‭ ‬لتكرارها‭ ‬على‭ ‬شريحة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬المستهدفين،‭ ‬للتوسُع‭ ‬في‭ ‬النتائج‭ ‬وتحليلاتها‭ ‬وبناء‭ ‬توصيات‭ ‬موثوقة‭ ‬يرتكز‭ ‬عليها‭ ‬الأفراد‭ ‬والشركات‭ ‬المحتمل‭ ‬استهدافهم‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وتُنبـه‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬بالأمن‭ ‬السيبراني‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬لتكثيف‭ ‬حملاتها‭ ‬التوعوية‭ ‬وأنظمة‭ ‬الحماية‭.‬