براغماتية طالبان

| بدور عدنان

بات‭ ‬يعلم‭ ‬جميع‭ ‬المتابعين‭ ‬لتصريحات‭ ‬حركة‭ ‬طالبان‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬الماضية،‭ ‬أن‭ ‬توجهات‭ ‬الحركة‭ ‬المعلنة‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬تتطابق‭ ‬كلياً‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمان،‭ ‬حيث‭ ‬شاب‭ ‬تصريحات‭ ‬الحركة‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬الوسطية‭ ‬والاعتدال،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬نعتد‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬طالبان‭ ‬التي‭ ‬دائماً‭ ‬ما‭ ‬اتسمت‭ ‬سياساتها‭ ‬بالتطرف‭ ‬والقمع‭ ‬المتشح‭ ‬بالثوب‭ ‬الديني‭.‬

فمنذ‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬كابول‭ ‬أعلنت‭ ‬الحركة‭ ‬عفوا‭ ‬عاما‭ ‬عن‭ ‬جميع‭ ‬الموظفين‭ ‬ودعتهم‭ ‬للعودة‭ ‬لأعمالهم‭ ‬المعتادة‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬العودة‭ ‬للحياة‭ ‬اليومية‭ ‬التي‭ ‬عهدوها‭ ‬ابان‭ ‬النظام‭ ‬السابق،‭ ‬إضافة‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬العالم‭ ‬يتوقعها،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬إقرار‭ ‬حق‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬والتعلم‭ ‬وفق‭ ‬ضوابط‭ ‬محدودة‭.‬

أما‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭ ‬فقد‭ ‬أوضحت‭ ‬الحركة‭ ‬أنها‭ ‬تسعى‭ ‬للسلام‭ ‬والاستقرار‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إقامة‭ ‬علاقات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬طيبة‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الاحترام‭ ‬المتبادل‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬مؤكدة‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬مركزا‭ ‬للإرهاب‭ ‬الذي‭ ‬يزعزع‭ ‬أمن‭ ‬العالم‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬أقل‭ ‬المتشائمين‭ ‬بعودة‭ ‬نظام‭ ‬طالبان‭ ‬يتوقع‭ ‬ما‭ ‬أعلنت‭ ‬عنه‭ ‬الحركة‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬الأغلبية‭ ‬المتابعة‭ ‬تترقب‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الاعتقالات‭ ‬والاغتيالات‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬تعاون‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬السابق،‭ ‬خصوصاً‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬والدول‭ ‬الداعمة‭ ‬لها،‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬موجة‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬التي‭ ‬تبحث‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬جدية‭ ‬طالبان‭ ‬والتغير‭ ‬الذي‭ ‬شابها،‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬تغيير‭ ‬دائم‭ ‬فرضته‭ ‬التغيرات‭ ‬والظروف‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬الحركة‭ ‬خلال‭ ‬العقدين‭ ‬الماضيين،‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬براغماتية‭ ‬ميكافيلية‭ ‬تفرضها‭ ‬اللحظة‭ ‬وستستمر‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تتمكن‭ ‬طالبان‭ ‬من‭ ‬تثبيت‭ ‬أركانها‭ ‬وحصولها‭ ‬على‭ ‬الاعتراف‭ ‬الدولي‭ ‬من‭ ‬العالم‭. ‬

جميع‭ ‬الإجابات‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات‭ ‬تبقى‭ ‬اليوم‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬فلك‭ ‬التكهنات،‭ ‬فسياسات‭ ‬الحركة‭ ‬تبقى‭ ‬مبهمة‭ ‬خلال‭ ‬المنظور‭ ‬القريب‭ ‬على‭ ‬أقل‭ ‬تقدير،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬عودتها‭ ‬بقوة‭ ‬وإحكام‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬أفغانستان‭ ‬بات‭ ‬واقعا‭ ‬لا‭ ‬مناص‭ ‬منه،‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬فشلت‭ ‬القوى‭ ‬العظمى‭ ‬في‭ ‬القضاء‭ ‬عليها‭ ‬أصبح‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭ ‬أمام‭ ‬خيار‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬طالبان‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬سياساتها‭ ‬وتوجهاتها‭ ‬وهو‭ ‬الخيار‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬الحوار‭.‬