سوالف

سلطة الكارهين للثقافة على كرسي الرقابة

| أسامة الماجد

هناك‭ ‬مشكلة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬احتدم‭ ‬حولها‭ ‬نقاش‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬الانفعال،‭ ‬وهي‭ ‬مشكلة‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬الفكر،‭ ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الثقافة‭ ‬وما‭ ‬يطرحه‭ ‬أهل‭ ‬الفكر‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬ترتيب‭ ‬الأولويات،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬الاستفادة‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الأشكال‭ ‬من‭ ‬أطروحات‭ ‬الأدباء‭ ‬والمثقفين‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانوا‭ ‬يتمتعون‭ ‬بغزارة‭ ‬العلم‭ ‬وعمق‭ ‬البصيرة،‭ ‬وما‭ ‬أكبرها‭ ‬من‭ ‬طامة‭ ‬حينما‭ ‬يتم‭ ‬توظيف‭ ‬أحد‭ ‬أولئك‭ ‬الكارهين‭ ‬للثقافة‭ ‬والفكر‭ ‬والأدب‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬الرقيب‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬جهة،‭ ‬حيث‭ ‬سيبدأ‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬التفصيلات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالإبداع‭ ‬بدون‭ ‬أية‭ ‬خلفية‭ ‬وخبرة،‭ ‬ويحاول‭ ‬إعطاءه‭ ‬وظيفة‭ ‬خارجة‭ ‬عن‭ ‬كونه‭ ‬إبداعا،‭ ‬ويتناول‭ ‬الموضوع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نظرة‭ ‬دينية‭ ‬فقط‭ ‬وينظر‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬منحرفة‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ ‬نطاق‭ ‬الاختيار‭ ‬بين‭ ‬بضاعة‭ ‬أو‭ ‬أخرى‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬السوق‭.‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬طليعة‭ ‬إنسانية‭ ‬شاملة‭ ‬وهي‭ ‬مازالت‭ ‬تؤمن‭ ‬بوجود‭ ‬أولئك‭ ‬القوم‭ ‬المبشرين‭ ‬بالتخلف،‭ ‬وتمنحهم‭ ‬الموقع‭ ‬والمركز‭ ‬الذي‭ ‬يتيح‭ ‬لهم‭ ‬القمع‭ ‬الفكري‭ ‬والتفاخر‭ ‬باستعمالهم‭ ‬مقص‭ ‬الرقيب،‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬أصلا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يسبغ‭ ‬على‭ ‬الفن‭ ‬والأدب‭ ‬قيمته‭ ‬ليس‭ ‬صحة‭ ‬رسالته‭ ‬التجريدية‭ ‬ولا‭ ‬آيديولوجيته‭ ‬الواعية،‭ ‬إنما‭ ‬غناه‭ ‬المادي‭ ‬في‭ ‬تعبيره‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬بكل‭ ‬امتلاء‭ ‬تعقيداتها،‭ ‬فكم‭ ‬من‭ ‬رواية‭ ‬عظيمة‭ ‬منعت‭ ‬من‭ ‬النشر‭ ‬ولم‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬الجماهير‭ ‬العريضة‭ ‬بسبب‭ ‬سلطة‭ ‬الكارهين‭ ‬للثقافة،‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬فيلم‭ ‬سينمائي‭ ‬اشتغل‭ ‬عليه‭ ‬أصحاب‭ ‬المواهب‭ ‬والملكات‭ ‬الخلاقة‭ ‬تم‭ ‬الحكم‭ ‬عليه‭ ‬بالإعدام‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬الرقيب‭ ‬لأسباب‭ ‬مضحكة،‭ ‬وسطحية،‭ ‬لأن‭ ‬اقتناص‭ ‬الرأي‭ ‬الصائب‭ ‬والعملي‭ ‬أمر‭ ‬نادر‭ ‬الوقوع،‭ ‬فأولئك‭ ‬القوم‭ ‬الكارهون‭ ‬للثقافة‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬في‭ ‬قاموسهم‭ ‬سوى‭ ‬عبارة‭ ‬المنكر‭ ‬والانحراف،‭ ‬وكما‭ ‬يقال‭ ‬إن‭ ‬كل‭ ‬ساخط‭ ‬وكل‭ ‬فاشل‭ ‬متشوق‭ ‬لإثبات‭ ‬ذاته‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬غير‭ ‬مكانه،‭ ‬وهنا‭ ‬تكمن‭ ‬عناصر‭ ‬القوة‭ ‬وعناصر‭ ‬الضعف‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مجتمع‭ ‬كان‭.‬

كيف‭ ‬نطالب‭ ‬بالوصول‭ ‬إلى‭ ‬الأعلى‭ ‬ونحن‭ ‬نعطي‭ ‬مهمة‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬الفكر‭ ‬والأدب‭ ‬لجماعة‭ ‬تنفر‭ ‬من‭ ‬كلمة‭ ‬الثقافة‭ ‬نفسها،‭ ‬وهذا‭ ‬يحدث‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭.‬