الانسحاب من أفغانستان وسياسة “اترك الفخّار يكسِّر بعضه”

| عبدالنبي الشعلة

بموجب‭ ‬الاتفاق‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬في‭ ‬الدوحة‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وطالبان‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬فبراير‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬وتنفيذًا‭ ‬له‭ ‬فإن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬القادمة‭ ‬ستكمل‭ ‬انسحابها‭ ‬وتنهي‭ ‬وجودها‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬المتسرعة‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ازدياد‭ ‬أهمية‭ ‬الموقع‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬أفغانستان‭ ‬تتمتع‭ ‬به‭ ‬بالنسبة‭ ‬لها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انتقلت‭ ‬الأهداف‭ ‬والمصالح‭ ‬الأميركية‭ ‬مما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2001‭ ‬إلى‭ ‬جعل‭ ‬أفغانستان‭ ‬جبهة‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا،‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الثروات‭ ‬المعدنية‭ ‬الهائلة‭ ‬التي‭ ‬تزخر‭ ‬بها‭ ‬بطون‭ ‬الأراضي‭ ‬الأفغانية،‭ ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لعاقل‭ ‬أن‭ ‬يتصور‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬هي‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الدرجة‭ ‬من‭ ‬السذاجة‭ ‬أو‭ ‬الغفلة‭ ‬بحيث‭ ‬تقرر‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬أفغانستان‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬الذي‭ ‬بدا‭ ‬مهينًا‭ ‬دون‭ ‬خطة‭ ‬أو‭ ‬هدف‭ ‬مبيت،‭ ‬ودون‭ ‬مقابل،‭ ‬ودون‭ ‬أخذ‭ ‬ثمن‭ ‬لما‭ ‬بذلته‭ ‬من‭ ‬جهود‭ ‬دامت‭ ‬لعشرين‭ ‬عاما،‭ ‬وتضحيات‭ ‬بلغت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬4‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬الأرواح‭ ‬الأميركية‭ ‬من‭ ‬جنود‭ ‬ومقاولين،‭ ‬وما‭ ‬أنفقته‭ ‬من‭ ‬الأموال‭ ‬الطائلة‭ ‬التي‭ ‬فاقت‭ ‬التريليوني‭ ‬دولار،‭ ‬بحسب‭ ‬تأكيدات‭ ‬الرئيسين‭ ‬ترامب‭ ‬وبايدن‭.‬

إن‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬أفغانستان‭ ‬ومن‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬فكرة‭ ‬الرئيس‭ ‬أوباما‭ ‬الذي‭ ‬توصل‭ ‬إلى‭ ‬قناعة‭ ‬بأنه‭ ‬يمكن‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬جماعات‭ ‬وأحزاب‭ ‬التيار‭ ‬الإسلامي‭ ‬السياسي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الأنظمة‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الاسلامية‭.‬

والانسحاب‭ ‬من‭ ‬أفغانستان‭ ‬بالذات‭ ‬قرار‭ ‬لم‭ ‬يختلف‭ ‬عليه‭ ‬الرئيسان‭ ‬المتنافسان‭ ‬ترامب‭ ‬وبايدن،‭ ‬فالتواجد‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يخدم‭ ‬ويصب‭ ‬في‭ ‬وعاء‭ ‬المصالح‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الأميركية‭ ‬التي‭ ‬بالامكان‭ ‬تحقيقها‭ ‬والمحافظة‭ ‬عليها‭ ‬بأساليب‭ ‬وتكتيكات‭ ‬أخرى‭. ‬أميركا‭ ‬كانت‭ ‬تريد‭ ‬وقف‭ ‬النزيف‭ ‬المؤلم‭ ‬لقدراتها‭ ‬البشرية‭ ‬والعسكرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬الذي‭ ‬يسببه‭ ‬تواجدها‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬أفغانستان،‭ ‬وتريد‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬العبء‭ ‬الأفغاني‭ ‬دون‭ ‬التفريط‭ ‬بأهدافها‭ ‬ومصالحها‭ ‬الاستراتيجية؛‭ ‬فكان‭ ‬اتفاق‭ ‬أو‭ ‬صفقة‭ ‬الدوحة‭ ‬تقتضي‭ ‬تسليم‭ ‬أفغانستان‭ ‬لطالبان‭ ‬مع‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬ضمان‭ ‬تحقيق‭ ‬تلك‭ ‬الأهداف‭ ‬والمصالح؛‭ ‬وإن‭ ‬سيطرة‭ ‬حركة‭ ‬طالبان‭ ‬على‭ ‬أفغانستان‭ ‬بهذه‭ ‬السرعة‭ ‬التي‭ ‬أدهشت‭ ‬المراقبين‭ ‬وفاقت‭ ‬كل‭ ‬التوقعات‭ ‬لهو‭ ‬أكبر‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬الصفقة‭.‬

مهندس‭ ‬الاتفاق‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬وصفها‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬بأنها‭ ‬“صفقة‭ ‬رائعة”‭ ‬وفقا‭ ‬لمستشار‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬آنذاك‭ ‬جون‭ ‬بولتون،‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬عن‭ ‬الخطة‭ ‬بأنها‭ ‬“فرصة‭ ‬حقيقية‭ ‬لتكون‭ ‬مثمرة‭ ‬لحد‭ ‬كبير”‭.‬

الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬دراية‭ ‬وعلم‭ ‬بنية‭ ‬طالبان‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬أفغانستان‭ ‬فور‭ ‬أو‭ ‬قبل‭ ‬إتمام‭ ‬الانسحاب،‭ ‬وقد‭ ‬قدرت‭ ‬أجهزة‭ ‬المخابرات‭ ‬المركزية‭ ‬الأميركية‭ ‬بأن‭ ‬طالبان‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬البلاد،‭ ‬الاختلاف‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬المدة‭ ‬فقط،‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬أقل‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬قدرتها‭ ‬أجهزة‭ ‬المخابرات‭.‬

‭ ‬

‎ضمن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المعطيات‭ ‬فإن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ستكمل

‎انسحابها،‭ ‬وستعترف‭ ‬قريبًا‭ ‬بحكومة‭ ‬طالبان‭ ‬في‭ ‬أمارة‭ ‬أفغانستان‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وهي‭ ‬لم‭ ‬تفاجأ‭ ‬ولم‭ ‬تهزم‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬البعض،‭ ‬فمن‭ ‬خلال‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاق‭ ‬الدوحة‭ ‬والانسحاب‭ ‬العسكري‭ ‬من‭ ‬أفغانستان‭ ‬فإنها‭ ‬قد‭ ‬قامت‭ ‬بمجرد‭ ‬تبديل‭ ‬مواقعها‭ ‬ضمن‭ ‬رؤية‭ ‬سياسية‭ ‬أمنية‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬أميركية‭ ‬متجددة‭ ‬تستجيب‭ ‬للتحديات‭ ‬والمستجدات‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬منطقة‭ ‬شرق‭ ‬ووسط‭ ‬آسيا،‭ ‬إن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬هي‭ ‬المستفيدة‭ ‬والرابحة‭ ‬استراتيجيًا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الصفقة،‭ ‬فقد‭ ‬تخلصت‭ ‬من‭ ‬الأعباء‭ ‬والالتزامات‭ ‬المالية‭ ‬والعسكرية‭ ‬التي‭ ‬أرهقتها،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬فإنها‭ ‬أصابت‭ ‬بضربة‭ ‬واحدة‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬ضمن‭ ‬سياسة‭ ‬ينطبق‭ ‬عليها‭ ‬المثل‭ ‬الخليجي‭ ‬“اترك‭ ‬الفخار‭ ‬يكسر‭ ‬بعضه”‭ ‬والتي‭ ‬ستشهد‭ ‬المنطقة‭ ‬على‭ ‬أثرها‭ ‬مواجهات‭ ‬وصراعات‭ ‬مبرمجة‭.‬

والانسحاب‭ ‬بالشكل‭ ‬والطريقة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬بها‭ ‬لن‭ ‬يحقق‭ ‬بالتأكيد‭ ‬الاستقرار‭ ‬الأمني‭ ‬والاقتصادي‭ ‬لأفغانستان؛‭ ‬وربما‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬المطلوب‭ ‬لتتحول‭ ‬الأمارة‭ ‬الإسلامية‭ ‬المرتقبة‭ ‬إلى‭ ‬مستنقع‭ ‬جيوسياسي،‭ ‬ومركز‭ ‬لتصدير‭ ‬المخدرات،‭ ‬وبؤرة‭ ‬تهديد‭ ‬لدول‭ ‬الجوار‭ ‬المعادية‭ ‬لأميركا‭ ‬وبالأخص‭ ‬إيران‭ ‬وروسيا‭ ‬والصين،‭ ‬وستصبح‭ ‬بمثابة‭ ‬الخنجر‭ ‬الموجه‭ ‬إلى‭ ‬خواصر‭ ‬وصدور‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬الثلاث‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬فإن‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬مرشحة‭ ‬للانفجار‭ ‬بين‭ ‬أمارة‭ ‬أفغانستان‭ ‬الإسلامية‭ ‬والجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬يتم‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬إشغال‭ ‬واستنزاف‭ ‬إيران‭ ‬بعد‭ ‬استنهاض‭ ‬الخلاف‭ ‬الايديولوجي‭ ‬والعقائدي‭ ‬الحاد‭ ‬بين‭ ‬طالبان‭ ‬السنية‭ ‬وإيران‭ ‬الشيعية،‭ ‬وامتدادًا‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬إيران‭ ‬الشيعية‭ ‬ستقع‭ ‬بين‭ ‬كماشتين‭ ‬سنيتين‭ ‬أفغانستان‭ ‬وتركيا،‭ ‬وسيتسع‭ ‬بالنتيجة‭ ‬البون‭ ‬بين‭ ‬المعسكرين‭ ‬السني‭ ‬والشيعي‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭.‬

وقد‭ ‬استهدفت‭ ‬أميركا‭ ‬في‭ ‬خطوتها‭ ‬أو‭ ‬خطتها‭ ‬أيضًا‭ ‬عدوين‭ ‬آخرين‭ ‬من‭ ‬جيران‭ ‬أفغانستان،‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬واللتين‭ ‬تعتبرهما‭ ‬طالبان‭ ‬عقائديًا‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الكفر‭ ‬والإلحاد،‭ ‬هاتين‭ ‬الدولتين‭ ‬مع‭ ‬انهما‭ ‬أبديا‭ ‬استعدادا‭ ‬ورغبة‭ ‬في‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬طالبان،‭ ‬إلا‭ ‬انهما‭ ‬لم‭ ‬يخفيا‭ ‬تخوفهما‭ ‬وقلقهما‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬أفغانستان‭ ‬تحت‭ ‬حكم‭ ‬طالبان‭ ‬ملاذا‭ ‬آمنا‭ ‬للجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬المتشددة‭.‬

وبالنسبة‭ ‬لروسيا‭ ‬فليس‭ ‬ثمة‭ ‬ود‭ ‬مفقود‭ ‬بين‭ ‬طالبان‭ ‬وبينها،‭ ‬روسيا‭ ‬تعتبر‭ ‬طالبان‭ ‬منظمة‭ ‬محظورة‭ ‬ومدرجة‭ ‬على‭ ‬قائمة‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬روسيا،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أن‭ ‬طالبان‭ ‬والشعب‭ ‬الأفغاني‭ ‬برمته‭ ‬لم‭ ‬ولن‭ ‬يغفروا‭ ‬لروسيا‭ ‬غزوها‭ ‬لبلادهم‭ ‬الذي‭ ‬استمر‭ ‬لقرابة‭ ‬10‭ ‬سنوات،‭ ‬وستبقى‭ ‬هذه‭ ‬الصفحة‭ ‬السوداء‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬مصدرا‭ ‬مشتركًا‭ ‬لتغذية‭ ‬روح‭ ‬الكراهية‭ ‬والشك‭ ‬وعدم‭ ‬الثقة‭ ‬بينهما،‭ ‬وستجعل‭ ‬إمكان‭ ‬الاحتكاك‭ ‬و‭ ‬المواجهة‭ ‬بينهما‭ ‬واردة،‭ ‬وتدرك‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ان‭ ‬استمرار‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬ستنتقل‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬آسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬المجاورة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬وما‭ ‬تزال‭ ‬روسيا‭ ‬تعتبرها‭ ‬“حديقة‭ ‬خلفية‭ ‬لها”‭.‬

والعدو‭ ‬الآخر‭ ‬هو‭ ‬الصين؛‭ ‬المنافس‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المخيف‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬والتي‭ ‬تبني‭ ‬مستقبلها‭ ‬وتوسيع‭ ‬نفوذها‭ ‬ورخاءها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬على‭ ‬إحياء‭ ‬“طريق‭ ‬الحرير”‭ ‬بحلته‭ ‬الجديدة‭ ‬ضمن‭ ‬مبادرة‭ ‬أو‭ ‬مشروع‭ ‬“الحزام‭ ‬والطريق”؛‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬بالذات‭ ‬يشكل‭ ‬تحديا‭ ‬كبيرا‭ ‬للمصالح‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وأفغانستان‭ ‬دولة‭ ‬أو‭ ‬حلقة‭ ‬محورية‭ ‬لهذا‭ ‬المشروع،‭ ‬والعاصمة‭ ‬كابل‭ ‬كانت‭ ‬وما‭ ‬تزال‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المحطات‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الطريق،‭ ‬وإن‭ ‬كسر‭ ‬أو‭ ‬فك‭ ‬هذه‭ ‬الحلقة‭ ‬وإغلاق‭ ‬هذه‭ ‬المحطة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬المشروع‭ ‬سيؤدي‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬إلى‭ ‬عرقلته‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬إفشاله‭ ‬وتدميره،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬نظام‭ ‬الولاية‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬لن‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يسكت‭ ‬أو‭ ‬يقف‭ ‬مكتوف‭ ‬الأيدي‭ ‬حيال‭ ‬ما‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬المسلمين‭ ‬الإيغور‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬شينجيانغ‭ ‬غرب‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬الأفغانية،‭ ‬ومن‭ ‬منطلق‭ ‬عقائدي‭ ‬ستضطر‭ ‬طالبان‭ ‬إلى‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬دعمهم‭ ‬ومساندة‭ ‬حركتهم‭ ‬الانفصالية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتفق‭ ‬مع‭ ‬استراتيجية‭ ‬واشنطن‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ‬فصل‭ ‬الاقليم‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬“تركستان‭ ‬الشرقية”‭.‬

ولإتمام‭ ‬الخطة‭ ‬لم‭ ‬يبقَ‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الآن‭ ‬سوى‭ ‬الإسراع‭ ‬بالاعتراف‭ ‬بحكومة‭ ‬طالبان‭ ‬فور‭ ‬تشكيلها،‭ ‬وتفعيل‭ ‬البنود‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالتعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬الاتفاق‭ ‬بما‭ ‬يشمل‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬الاستثمار‭ ‬واستخراج‭ ‬المعادن‭ ‬الثمينة‭ ‬من‭ ‬بطون‭ ‬الأراضى‭ ‬الأفغانية‭ ‬مثل‭ ‬الليثيوم‭ ‬والنحاس‭ ‬والذهب‭ ‬وخام‭ ‬الحديد‭ ‬والأحجار‭ ‬الكريمة،‭ ‬وبذلك‭ ‬تسد‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬أي‭ ‬احتمال‭ ‬للتعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بين‭ ‬أفغانستان‭ ‬والصين‭ ‬أو‭ ‬روسيا،‭ ‬مع‭ ‬الابقاء‭ ‬علي‭ ‬منابع‭ ‬الخلاف‭ ‬وجذوات‭ ‬التوتر‭ ‬والتصادم‭.‬

وتجاه‭ ‬هذه‭ ‬الخطط‭ ‬والتطورات‭ ‬الخطيرة‭ ‬والتحديات‭ ‬والأخطار‭ ‬الأمنية‭ ‬الناتجة‭ ‬عنها،‭ ‬يصبح‭ ‬السؤال‭ ‬أكثر‭ ‬إلحاحًا‭ ‬عن‭ ‬موقف‭ ‬أو‭ ‬خطط‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ (‬ما‭ ‬عدا‭ ‬دولة‭ ‬قطر‭ ‬التي‭ ‬تربطها‭ ‬علاقات‭ ‬وثيقة‭ ‬بطالبان‭)‬؟

فإلى‭ ‬جانب‭ ‬عدم‭ ‬الاغتباط‭ ‬والقلق‭ ‬والترقب،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أنها‭ ‬تدرك‭ ‬أهمية‭ ‬وضرورة‭ ‬الأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬والحسبان‭ ‬أن‭ ‬انتصار‭ ‬طالبان‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المفاوضات‭ ‬وسيطرتها‭ ‬على‭ ‬أفغانستان‭ ‬قد‭ ‬أكسبها‭ ‬الشرعية‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الاقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬ما‭ ‬سيؤدي‭ ‬بالنتيجة‭ ‬إلى‭ ‬استنهاض‭ ‬واستنفار‭ ‬وتقوية‭ ‬شوكة‭ ‬منظمات‭ ‬وتيارات‭ ‬التشدد‭ ‬والتطرف‭ ‬والإرهاب‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬ويوقظ‭ ‬خلاياها‭ ‬النائمة‭.‬