عاشوراء... ونماء الوطن

| د. عبدالله الحواج

قد‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬محاسن‭ ‬الصدف‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬التاسع‭ ‬والعاشر‭ ‬من‭ ‬محرم‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬ونحن‭ ‬منتصرون‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭ ‬على‭ ‬جائحة‭ ‬كونية‭ ‬تفشت‭ ‬ولم‭ ‬تترك‭ ‬أخضرًا‭ ‬أو‭ ‬يابسًا‭ ‬إلا‭ ‬وكانت‭ ‬له‭ ‬بالعدوان‭.‬

قد‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬محاسن‭ ‬الصدف‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الموعظة‭ ‬الحسنة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬المباركة‭ ‬التي‭ ‬عشناها‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬الذكريات‭ ‬العطرة‭ ‬لاستشهاد‭ ‬إمام‭ ‬المسلمين‭ ‬الحسين‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لدينا‭ ‬ما‭ ‬يجمعنا،‭ ‬أن‭ ‬نتعلم‭ ‬من‭ ‬دروس‭ ‬الماضي،‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬رجل‭ ‬واحد،‭ ‬وأن‭ ‬نعلم‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يحك‭ ‬جلدك‭ ‬مثل‭ ‬ظفرك،‭ ‬فالإمام‭ ‬الحسين‭ ‬سيد‭ ‬الشهداء‭ ‬كان‭ ‬رمزًا‭ ‬لجميع‭ ‬المسلمين،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬سيد‭ ‬شهداء‭ ‬الجنة،‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬العالم‭ ‬لكي‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الإصلاح،‭ ‬وضحى‭ ‬بالغالي‭ ‬والنفيس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أمته‭ ‬في‭ ‬عز‭ ‬وتراحم‭ ‬وتعاضد‭ ‬إلى‭ ‬يوم‭ ‬الدين‭.‬

رغم‭ ‬ذلك‭ ‬مازلنا‭ ‬نكابر،‭ ‬ومازال‭ ‬فريق‭ ‬من‭ ‬بني‭ ‬جلدتنا‭ ‬يحاول‭ ‬شق‭ ‬وحدة‭ ‬الوطن،‭ ‬وتقسيم‭ ‬الأمة‭ ‬بالتمييز‭ ‬ضد‭ ‬هذا‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬عاهل‭ ‬البلاد‭ ‬المفدى‭ ‬حضرة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬يدعو‭ ‬مرارًا‭ ‬وتكرارًا‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬لم‭ ‬الشمل،‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬المؤسسات‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬التسامح‭ ‬واحترام‭ ‬حرية‭ ‬الأديان‭ ‬والعبادات،‭ ‬بل‭ ‬والأكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬نحن‭ ‬إذ‭ ‬نعيش‭ ‬هذه‭ ‬اللحظات‭ ‬المباركة‭ ‬من‭ ‬أيامنا‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬محرم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬فإننا‭ ‬مطالبون‭ ‬بأن‭ ‬نكون‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬رجل‭ ‬واحد،‭ ‬لا‭ ‬يشق‭ ‬صفوفنا‭ ‬مدعٍ،‭ ‬أو‭ ‬خارج‭ ‬عن‭ ‬القانون،‭ ‬أو‭ ‬غافل‭ ‬عن‭ ‬صحيح‭ ‬الدين‭.‬

إن‭ ‬أمتنا‭ ‬الإسلامية‭ ‬وبلادنا‭ ‬العربية،‭ ‬ومملكتنا‭ ‬الحبيبة‭ ‬البحرين‭ ‬لهي‭ ‬قادرة‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬المستحيل،‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬جمالًا‭ ‬واستقلالًا،‭ ‬وأن‭ ‬ترأب‭ ‬الأصداء‭ ‬في‭ ‬مهدها،‭ ‬وتقضي‭ ‬على‭ ‬الفتن‭ ‬عندما‭ ‬ترعى‭ ‬تحت‭ ‬الرماد‭ ‬والمحن،‭ ‬وأن‭ ‬تصبح‭ ‬بحول‭ ‬الله‭ ‬أمة‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬القدرات‭ ‬والإنجازات‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬الصفوف‭.‬

وها‭ ‬نحن‭ ‬اليوم‭ ‬ورغم‭ ‬الجائحة‭ ‬الكونية‭ ‬الرهيبة،‭ ‬نشهد‭ ‬ذلك‭ ‬التجلي‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬توحيد‭ ‬صفوف‭ ‬الناس،‭ ‬قيادة‭ ‬وحكومة‭ ‬وشعبًا‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الفيروس‭ ‬اللعين،‭ ‬تمكننا‭ ‬بعون‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل،‭ ‬وباحترافية‭ ‬اللجنة‭ ‬التنسيقية‭ ‬برئاسة‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬وفريقه‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬التحليق‭ ‬برشاقة‭ ‬واحترافية‭ ‬أهل‭ ‬الخبرة‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬ألوان‭ ‬الجائحة،‭ ‬من‭ ‬الأحمر‭ ‬إلى‭ ‬البرتقالي‭ ‬إلى‭ ‬الأصفر‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬الأخضر،‭ ‬اجتزنا‭ ‬كل‭ ‬المراحل‭ ‬وتعاطينا‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬الألوان،‭ ‬ونجحنا‭ ‬في‭ ‬المرور‭ ‬بسلام‭ ‬آمنين‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬الفترات‭ ‬العصيبة،‭ ‬محققين‭ ‬أعلى‭ ‬نسب‭ ‬الاستشفاء،‭ ‬وأعلى‭ ‬معدلات‭ ‬التطعيم‭ ‬والفحوصات،‭ ‬وأقل‭ ‬معدلات‭ ‬للإصابات‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬الـ‭ ‬18‭ ‬شهرًا‭ ‬الماضية،‭ ‬هذا‭ ‬يؤكد‭ ‬مدى‭ ‬تلاحم‭ ‬الشعب‭ ‬مع‭ ‬حكومته،‭ ‬والناس‭ ‬مع‭ ‬قيادتها،‭ ‬والإنسان‭ ‬مع‭ ‬قيمته‭ ‬وأخلاقه‭ ‬ورفيع‭ ‬مودته‭.‬

واليوم‭ ‬نشهد‭ ‬مواجهة‭ ‬جديدة‭ ‬للتحدي،‭ ‬كورونا‭ ‬مازالت‭ ‬موجودة‭ ‬وآثارها‭ ‬مازالت‭ ‬تنتشر‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬والأيام‭ ‬المباركة‭ ‬تفرض‭ ‬علينا‭ ‬سلوكًا‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬جديد،‭ ‬احتراز‭ ‬على‭ ‬أعلى‭ ‬مستوى،‭ ‬وبروتوكول‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الانضباطية‭ ‬والمرونة‭ ‬والاحتراز،‭ ‬وتباعد‭ ‬اجتماعي‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ننظر‭ ‬إليه‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬قيد،‭ ‬أو‭ ‬امتناع،‭ ‬أو‭ ‬تخلي‭ ‬عن‭ ‬عادات‭ ‬وتقاليد،‭ ‬ومناسك‭ ‬وعبادات،‭ ‬بالعكس‭ ‬إن‭ ‬في‭ ‬التباعد‭ ‬تراحم،‭ ‬وفي‭ ‬التأني‭ ‬السلامة‭ ‬وفي‭ ‬العجلة‭ ‬الندامة‭.‬

مازلنا‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬الجائحة،‭ ‬ومازال‭ ‬العالم‭ ‬يعاني،‭ ‬والناس‭ ‬يتأففون،‭ ‬والدول‭ ‬تبذل‭ ‬قصارى‭ ‬جهدها‭ ‬كي‭ ‬تذود‭ ‬عن‭ ‬أمة‭ ‬الإنسانية‭ ‬وتدافع‭ ‬عن‭ ‬حقها‭ ‬في‭ ‬الشفاء‭ ‬والبقاء‭ ‬والارتقاء،‭ ‬سنكون‭ ‬مجددًا‭ ‬أو‭ ‬كنا‭ ‬والصحيفة‭ ‬تمثل‭ ‬للطباعة‭ ‬أمام‭ ‬امتحان‭ ‬صعب‭ ‬جديد،‭ ‬هل‭ ‬نستلهم‭ ‬من‭ ‬عاشوراء‭ ‬الكيفية‭ ‬والعبر‭ ‬التي‭ ‬تجعلنا‭ ‬أكثر‭ ‬قوة‭ ‬وتلاحمًا‭ ‬وصلابة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬العدو‭ ‬الحقيقي‭ ‬للبشرية،‭ ‬وهو‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬اللعين؟‭ ‬أم‭ ‬إننا‭ ‬سنغض‭ ‬الطرف‭ ‬فندفع‭ ‬الثمن؟