فجر جديد

التفريج عن كربة الناس

| إبراهيم النهام

أعرف‭ ‬أحدهم،‭ ‬وهو‭ ‬رجل‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬أسرة‭ ‬خير،‭ ‬ومن‭ ‬منبت‭ ‬خير،‭ ‬لم‭ ‬يجلس‭ ‬معي‭ ‬ولو‭ ‬لحظة،‭ ‬إلا‭ ‬وتلقى‭ ‬اتصالا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬يطلب‭ ‬منه‭ ‬المساعدة‭ ‬في‭ ‬معاملة‭ ‬خيرية،‭ ‬أو‭ ‬إنسانية،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬نقل‭ ‬صوته‭ ‬ومطالبه‭ ‬عبر‭ ‬الإعلام‭ ‬والصحافة‭ ‬و“السوشال‭ ‬ميديا”‭.‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬تواضع‭ ‬وظيفته،‭ ‬ومدخوله،‭ ‬وإمكانياته‭ ‬المالية،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬بهذا‭ ‬الحال‭ ‬منذ‭ ‬ساعة‭ ‬معرفتي‭ ‬به‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬تتجاوز‭ ‬15‭ ‬عاماً،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تزد‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬بقليل،‭ ‬وذات‭ ‬مرة،‭ ‬رادوني‭ ‬الفضول‭ ‬لمعرفة‭ ‬السر‭ ‬الكامن‭ ‬خلفه،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬مني‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬سألته‭ ‬وبوضوح‭: ‬ما‭ ‬حكايتك‭ ‬يا‭ ‬رجل؟‭ ‬وكيف‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تتجاوب‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬الناس؟‭ ‬وتساعدهم؟‭ ‬كيف؟

رمقني‭ ‬صديقي‭ ‬بهدوء،‭ ‬ثم‭ ‬ابتسم‭ ‬ابتسامته‭ ‬الصافية‭ ‬التي‭ ‬أعرفها‭ ‬جيداً،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬بعمق‭: ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬يطرقون‭ ‬أبواب‭ ‬أصحاب‭ ‬المال‭ ‬والمناصب‭ ‬والعلاقات‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬منهم‭ ‬منفعة،‭ ‬بل‭ ‬يطرقون‭ ‬أبواب‭ ‬من‭ ‬يخدمهم‭ ‬ويساعدهم،‭ ‬ويتحسس‭ ‬مشاكلهم‭.‬

ويزيد‭ ‬“الناس‭ ‬يطرقون‭ ‬أبواب‭ ‬من‭ ‬ينصت‭ ‬لهم،‭ ‬ولا‭ ‬يقاطعهم،‭ ‬من‭ ‬لديه‭ ‬رحابة‭ ‬الصدر،‭ ‬والالتماس‭ ‬بالعذر،‭ ‬والاهتمام‭ ‬بمعرفة‭ ‬التفاصيل،‭ ‬ووصل‭ ‬أصحاب‭ ‬القرار‭ ‬والشأن‭ ‬لأجلهم‭ ‬دون‭ ‬حرج‭ ‬أو‭ ‬مصلحة”‭.‬

ويكمل‭ ‬صديقي‭ ‬“ورثتُ‭ ‬مفتاح‭ ‬الخير‭ ‬بمنفعة‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬والدي‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يغذيني‭ ‬بذلك‭ ‬بكل‭ ‬لحظة‭ ‬ووهلة،‭ ‬واليوم‭ ‬وبعد‭ ‬مرور‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬وفاته،‭ ‬مازلت‭ ‬ألتقي‭ ‬فلانا‭ ‬صدفة،‭ ‬وآخر‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬أو‭ ‬عند‭ ‬صديق،‭ ‬ليذكروا‭ ‬لي‭ ‬بامتنان‭ ‬مواقف‭ ‬جديدة‭ ‬بالخير‭ ‬عن‭ ‬أبي‭ ‬في‭ ‬مساعدة‭ ‬الناس،‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أعرفها‭ ‬حتى‭ ‬لحظة‭ ‬لقائي‭ ‬بهم”‭.‬

ويختم‭ ‬“التفريج‭ ‬عن‭ ‬كربة‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬أعظم‭ ‬الأمور‭ ‬الخيرة‭ ‬وأنبلها،‭ ‬وهي‭ ‬ثقافة‭ ‬ونهج‭ ‬حياة‭ ‬وورث‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتناقله‭ ‬الأجيال،‭ ‬ومن‭ ‬أساس‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬الحنيف،‭ ‬ومن‭ ‬أساس‭ ‬القيم‭ ‬التي‭ ‬عرف‭ ‬بها‭ ‬الأنبياء‭ ‬والصحابة‭ ‬والتابعون،‭ ‬ونحن‭ ‬ماضون‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬العهد‭ ‬حتى‭ ‬الرمق‭ ‬الأخير”‭.‬