ماريا... كم أنت رائعة

| زهير توفيقي

في‭ ‬ظل‭ ‬الأخبار‭ ‬والمآسي‭ ‬والمصائب‭ ‬الكثيرة‭ ‬التي‭ ‬نشاهدها‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬والتي‭ ‬تولد‭ ‬فينا‭ ‬الحزن‭ ‬والاكتئاب،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الكوارث‭ ‬الطبيعية‭ ‬والمتغيرات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬ووباء‭ ‬كورونا،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬تصادفنا‭ ‬أخبار‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الروعة‭ ‬والسرور‭ ‬لتعطينا‭ ‬دروسًا‭ ‬في‭ ‬الأمل‭ ‬والإنسانية‭ ‬وتثبت‭ ‬لنا‭ ‬بأن‭ ‬الدنيا‭ ‬مازالت‭ ‬بخير‭ ‬وعلينا‭ ‬جميعا‭ ‬تحمل‭ ‬بعض‭ ‬آلامها‭ ‬وأحزانها‭.‬

على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬وليس‭ ‬الحصر،‭ ‬قرأت‭ ‬كغيري‭ ‬خبرا‭ ‬يثلج‭ ‬الصدر‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬البطلة‭ ‬البولندية‭ ‬ماريا‭ ‬اندريشيك‭ ‬التي‭ ‬أحرزت‭ ‬ميداليتها‭ ‬الفضية‭ ‬في‭ ‬منافسات‭ ‬رمي‭ ‬الرمح‭ ‬في‭ ‬أولمبياد‭ ‬طوكيو،‭ ‬فقد‭ ‬قامت‭ ‬هذه‭ ‬البطلة‭ ‬بعرض‭ ‬ميداليتها‭ ‬في‭ ‬المزاد‭ ‬العلني‭ ‬بهدف‭ ‬جمع‭ ‬المال‭ ‬لتمويل‭ ‬عملية‭ ‬جراحية‭ ‬لطفل‭ ‬رضيع‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬مشكلة‭ ‬خلقية‭ ‬في‭ ‬القلب،‭ ‬يقول‭ ‬الخبر‭ ‬إن‭ ‬قيمة‭ ‬المزاد‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬‮٤٤‬‭ ‬ألف‭ ‬يورو‭! ‬كما‭ ‬حرص‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬على‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬المزاد‭ ‬تقديرًا‭ ‬منهم‭ ‬لمبادرة‭ ‬البطلة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬الإنسانية‭ ‬النبيلة‭. ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬سياستها‭ ‬للمسؤولية‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬بادرت‭ ‬سلسلة‭ ‬متاجر‭ ‬“زبكا”‭ ‬البولندية‭ ‬بدفع‭ ‬المبلغ‭ ‬كاملًا‭ ‬مقابل‭ ‬شراء‭ ‬الميدالية‭ ‬وقررت‭ ‬إبقاء‭ ‬الميدالية‭ ‬للبطلة‭ ‬نظير‭ ‬عملها‭ ‬النبيل‭ ‬والإنساني‭ ‬الرائع‭.‬

نحن‭ ‬أمام‭ ‬مثالين‭ ‬رائعين،‭ ‬أولهما‭ ‬بالطبع‭ ‬مبادرة‭ ‬هذه‭ ‬البطلة‭ ‬الشابة‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬تعكس‭ ‬حسها‭ ‬المرهف‭ ‬وبعد‭ ‬تفكيرها‭ ‬المتجرد‭ ‬من‭ ‬الأنانية‭ ‬التي‭ ‬قلما‭ ‬نجدها‭ ‬عند‭ ‬أغلب‭ ‬الناس،‭ ‬كما‭ ‬لابد‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬نشيد‭ ‬بمبادرة‭ ‬سلسلة‭ ‬متاجر‭ ‬“زبكا”‭ ‬الرائعة‭ ‬جدًا‭ ‬عندما‭ ‬قررت‭ ‬شراء‭ ‬الميدالية‭ ‬وإصرارها‭ ‬بأن‭ ‬تحتفظ‭ ‬البطلة‭ ‬بميداليتها،‭ ‬وهنا‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬نتوقف‭ ‬قليلًا‭ ‬ونتكلم‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬التي‭ ‬بصراحة‭ ‬شديدة‭ ‬نفتقدها‭ ‬من‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬أو‭ ‬التجاري،‭ ‬فهناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬والمواقف‭ ‬المشابهة‭ ‬تحصل‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬وتقف‭ ‬المؤسسات‭ ‬والشركات‭ ‬والبنوك‭ ‬مكتوفة‭ ‬الأيدي‭ ‬ولا‭ ‬تبادر‭ ‬من‭ ‬نفسها‭ ‬ذاتيًا‭ (‬self initiative‭) ‬وتعتبر‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬شأنها،‭ ‬ولا‭ ‬تعلم‭ ‬أنها‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬تمامًا،‭ ‬فهذه‭ ‬المبادرات‭ ‬تعكس‭ ‬واقع‭ ‬واهتمام‭ ‬إدارة‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬تندرج‭ ‬تحت‭ ‬سياسة‭ ‬المسؤولية‭ ‬الاجتماعية‭. ‬

أتمنى‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الأفراد‭ ‬تداول‭ ‬هذه‭ ‬القصص‭ ‬والممارسات‭ ‬الرائعة‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬أفراد‭ ‬العائلة‭ ‬وبالذات‭ ‬مع‭ ‬أبنائنا‭ ‬لتكون‭ ‬عبرة‭ ‬وجزءا‭ ‬من‭ ‬تربيتنا‭ ‬وثقافتنا‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة،‭ ‬وكذلك‭ ‬نشر‭ ‬هذه‭ ‬القصص‭ ‬الجيدة‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬فمن‭ ‬واجبنا‭ ‬ومسؤوليتنا‭ ‬الأدبية‭ ‬أن‭ ‬نصنع‭ ‬الفارق‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬ونستغل‭ ‬هذه‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الحديثة‭ ‬الاستغلال‭ ‬الأمثل‭. ‬والله‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬القصد‭.‬