ما وراء الحقيقة

سقوط كابول

| د. طارق آل شيخان الشمري

سقطت‭ ‬كابول‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سلمتها‭ ‬واشنطن‭ ‬إلى‭ ‬طالبان‭ ‬الإرهابية،‭ ‬والتي‭ ‬غزتها‭ ‬قبل‭ ‬عشرين‭ ‬عاما‭ ‬وأزاحتها‭ ‬من‭ ‬المشهد‭ ‬الأفغاني،‭ ‬حينها‭ ‬تفاخرت‭ ‬واشنطن‭ ‬بغزوها‭ ‬أفغانستان‭ ‬وانتصارها‭ ‬على‭ ‬الإرهاب،‭ ‬مؤكدة‭ ‬أن‭ ‬شعب‭ ‬أفغانستان‭ ‬سينعم‭ ‬بالديمقراطية‭ ‬ودولة‭ ‬مدنية‭ ‬متحضرة‭ ‬تبنيها‭ ‬واشنطن،‭ ‬لكي‭ ‬تكون‭ ‬أنموذجا‭ ‬متحضرا‭ ‬لكيفية‭ ‬قيام‭ ‬واشنطن‭ ‬بواجبها‭ ‬بإرساء‭ ‬السلام‭ ‬والديمقراطية‭ ‬بكل‭ ‬بلد‭ ‬تدخل‭ ‬فيه‭.‬

وبعد‭ ‬20‭ ‬عاما،‭ ‬وقعت‭ ‬واشنطن‭ ‬اتفاقا‭ ‬أصفه‭ ‬أنا‭ ‬بأنه‭ ‬اتفاق‭ ‬الفشل‭ ‬والغدر‭ ‬والهزيمة‭.. ‬لكن‭ ‬لماذا‭ ‬أطلقت‭ ‬وصف‭ ‬الفشل‭ ‬والغدر‭ ‬والهزيمة‭ ‬على‭ ‬انسحاب‭ ‬واشنطن‭ ‬من‭ ‬أفغانستان؟‭ ‬الأسباب‭ ‬كالتالي‭.. ‬اتفاق‭ ‬الفشل‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬مقارنة‭ ‬ادعاءات‭ ‬وتصريحات‭ ‬واشنطن‭ ‬عند‭ ‬غزوها‭ ‬أفغانستان‭ ‬بمحاربة‭ ‬الإرهاب‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬طالبان‭ ‬ونشر‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بأفغانستان،‭ ‬ومقارنتها‭ ‬بالنتائج‭ ‬بعد‭ ‬20‭ ‬سنة،‭ ‬النتائج‭ ‬هي‭ ‬اتفاق‭ ‬انسحاب‭ ‬وتسليم‭ ‬أفغانستان‭ ‬للإرهابيين‭ ‬وترك‭ ‬الديمقراطية‭ ‬تحت‭ ‬أقدام‭ ‬طالبان،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬واشنطن‭ ‬فشلت‭ ‬فشلا‭ ‬ذريعا‭ ‬وباعتراف‭ ‬الأميركيين‭ ‬أنفسهم‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬ومجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬ومحللين‭ ‬وخبراء‭. ‬أما‭ ‬اتفاق‭ ‬الغدر‭ ‬فبكل‭ ‬بساطة‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الانسحاب‭ ‬تم‭ ‬تشكيله‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اتفاق‭ ‬ليس‭ ‬مع‭ ‬الحكومة‭ ‬الشرعية،‭ ‬ما‭ ‬سيحفظ‭ ‬وجه‭ ‬واشنطن‭ ‬لاحقا،‭ ‬كونها‭ ‬ستقول‭ ‬إنها‭ ‬انسحبت‭ ‬باتفاق‭ ‬مع‭ ‬الحكومة‭ ‬الشرعية‭ ‬بأفغانستان،‭ ‬بل‭ ‬وقعت‭ ‬مع‭ ‬عدو‭ ‬الحكومة‭ ‬الشرعية‭ ‬وهي‭ ‬طالبان‭ ‬التي‭ ‬حاربت‭ ‬واشنطن‭ ‬طوال‭ ‬20‭ ‬عاما،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬غدر‭ ‬واضح‭ ‬وتنازل‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬القيم‭ ‬والأعراف‭ ‬السياسية‭ ‬والدبلوماسية،‭ ‬ما‭ ‬سيجعل‭ ‬الحكومات‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬وصاعدا‭ ‬تحذر‭ ‬من‭ ‬واشنطن‭.‬

وأخيرا‭ ‬اتفاق‭ ‬الهزيمة،‭ ‬وهو‭ ‬غير‭ ‬الفشل‭ ‬الذي‭ ‬تحدثنا‭ ‬عنه‭ ‬بفشل‭ ‬مشروع‭ ‬واشنطن‭ ‬بأفغانستان،‭ ‬لأنك‭ ‬قد‭ ‬تفشل‭ ‬لكنك‭ ‬لم‭ ‬تهزم،‭ ‬اتفاق‭ ‬الهزيمة‭ ‬هذا‭ ‬جعل‭ ‬طالبان‭ ‬تأخذ‭ ‬صك‭ ‬هزيمة‭ ‬واشنطن‭ ‬مكتوبا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اتفاق‭ ‬الدوحة،‭ ‬وهذا‭ ‬جعل‭ ‬هيبة‭ ‬وسمعة‭ ‬واشنطن‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬والفكرية‭ ‬بقيادة‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬تنزل‭ ‬لمستوى‭ ‬أقل‭ ‬مما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬بالسابق،‭ ‬وجعل‭ ‬حلفاء‭ ‬واشنطن‭ ‬خصوصا‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬يدركون‭ ‬أن‭ ‬الدور‭ ‬قادم‭ ‬عليهم،‭ ‬لذا‭ ‬عليهم‭ ‬الحذر‭ ‬من‭ ‬واشنطن‭ ‬وتعهداتها‭ ‬وتصريحاتها‭ ‬وخططها‭ ‬معهم‭. ‬والآن،‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نقوم‭ ‬بإفشال‭ ‬نتائج‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬من‭ ‬قيام‭ ‬ربيع‭ ‬طالباني‭ ‬وانتشار‭ ‬الإرهاب‭ ‬وتوريط‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬والعرب‭ ‬بنتائج‭ ‬هذا‭ ‬الانسحاب،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬إفشال‭ ‬نتائج‭ ‬فشل‭ ‬وغدر‭ ‬وهزيمة‭ ‬واشنطن‭ ‬بأفغانستان‭.‬