مُلتقطات

الحُسين بلغات العالم

| د. جاسم المحاري

سبط‭ ‬الرسول‭ (‬ص‭) ‬الإمام‭ ‬الحُسين‭ ‬بن‭ ‬علي‭ (‬ع‭)‬،‭ ‬المُلقب‭ ‬بأبي‭ ‬الأحرار‭ ‬الذي‭ ‬وُلد‭ ‬عشية‭ ‬يوم‭ ‬الخميس‭ ‬ليلة‭ ‬الجمعة‭ ‬في‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬شعبان‭ ‬من‭ ‬السنة‭ ‬الرابعة‭ ‬الهجرية‭ ‬بالمدينة‭ ‬المنورة،‭ ‬واستُشهد‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬الحادية‭ ‬والستين‭ ‬بكربلاء؛‭ ‬ارتبط‭ ‬اسمه‭ ‬باللحظة‭ ‬الحاسمة‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬الشريفة‭ ‬في‭ ‬ملحمة‭ ‬“الطّف”‭ ‬الخالدة‭ ‬التي‭ ‬شكلّت‭ ‬تعبيراً‭ ‬متكاملاً‭ ‬عن‭ ‬قيم‭ ‬السماء‭ ‬وأعراف‭ ‬الأرض‭ ‬ومنازل‭ ‬الأنبياء‭ ‬ومراتب‭ ‬المُرسلين‭ ‬ونُخب‭ ‬الأولياء‭ ‬وسيادة‭ ‬الأصفياء،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬وراثة‭ ‬الشهداء‭ ‬والصديقين‭ ‬والصالحين‭ ‬في‭ ‬ظهر‭ ‬يوم‭ ‬“عاشوراء”‭ ‬الفجيع‭ ‬الذي‭ ‬فاض‭ ‬بالتضحيات‭ ‬الجسام‭ ‬والمواقف‭ ‬الأبية‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬هذا‭ ‬السبط‭ ‬الطاهر‭ ‬ومعه‭ ‬الصفوة‭ ‬الوفية‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬بيته‭ ‬وأصحابه‭ ‬الذين‭ ‬آمنوا‭ ‬بربهم‭ ‬واسترخصوا‭ ‬أرواحهم‭.‬

يتبوأ‭ ‬السبط‭ ‬الحُسين‭ (‬ع‭) ‬مكانة‭ ‬رفيعة‭ ‬عند‭ ‬عامة‭ ‬المسلمين،‭ ‬وسيرته‭ ‬تعكس‭ ‬سمو‭ ‬نفسه‭ ‬وتربيته‭ ‬في‭ ‬حجر‭ ‬جدّه‭ ‬محمّد‭ (‬ص‭) ‬وتجسيده‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬وأخلاقه‭ ‬حتى‭ ‬تمثلّت‭ ‬خصاله‭ ‬الكريمة‭ ‬وسجاياه‭ ‬السامية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الميادين‭ ‬ومتعدد‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬برزت‭ ‬فيها‭ ‬سمات‭ ‬نهضته‭ ‬“الحسينية”‭ ‬وأشبعت‭ ‬قواميسها‭ ‬بخصال‭ ‬الإيثار‭ ‬وامتلأت‭ ‬معاجمها‭ ‬بنعوت‭ ‬الفداء،‭ ‬وشاعت‭ ‬فيها‭ ‬الشجاعة‭ ‬والإقدام‭ ‬عند‭ ‬منازلة‭ ‬الخصوم‭ ‬واقتحام‭ ‬الخطوب‭ ‬في‭ ‬سوح‭ ‬الوغى‭. ‬فيما‭ ‬بدت‭ ‬الشهامة‭ ‬والمروءة‭ ‬معلماً‭ ‬أخلاقياً‭ ‬ونفسياً‭ ‬بارزاً‭ ‬فيها،‭ ‬بل‭ ‬وكانت‭ ‬بمجملها‭ ‬درساً‭ ‬عملياً‭ ‬في‭ ‬العزّة‭ ‬والكرامة‭ ‬ورفض‭ ‬الذّل‭ ‬لحجور‭ ‬طابت‭ ‬وأنوف‭ ‬حمّية‭ ‬ونفوس‭ ‬أبية‭ ‬في‭ ‬ثباتها‭ ‬وصبرها‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬العقيدة‭ ‬وتحمّل‭ ‬الصعاب‭ ‬عند‭ ‬المصيبة‭ ‬–‭ ‬للرجال‭ ‬والنساء‭ ‬–‭ ‬التي‭ ‬يفنى‭ ‬فيها‭ ‬سكّان‭ ‬السماوات‭ ‬ويموت‭ ‬بسببها‭ ‬أهل‭ ‬الأرض‭ ‬وجميع‭ ‬البريّة‭ ‬يُهلَكون‭.‬

هذه‭ ‬النهضة‭ ‬لم‭ ‬تنحصر‭ ‬في‭ ‬مذهب‭ ‬أو‭ ‬طائفة‭ ‬أو‭ ‬ديانة‭ ‬أو‭ ‬عقيدة،‭ ‬بل‭ ‬بدت‭ ‬“عالمية”‭ ‬الطابع‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬فيه‭ ‬الزعيم‭ ‬“غاندي”‭ ‬تعلمت‭ ‬من‭ ‬الحسين‭ ‬كيف‭ ‬أكون‭ ‬مظلوماً‭ ‬فأنتصر،‭ ‬فيما‭ ‬يقول‭ ‬المستشرق‭ ‬الألماني‭ ‬“ماربين”‭ ‬إنّ‭ ‬الحسين‭ ‬كان‭ ‬يبث‭ ‬روح‭ ‬الثورة‭ ‬أينما‭ ‬حلّ،‭ ‬وأمّا‭ ‬الكاتب‭ ‬“انطوان‭ ‬بارا”‭ ‬فيقول‭ ‬إنّها‭ ‬أول‭ ‬ثورة‭ ‬سجّلت‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الإسلام‭ ‬والأديان‭ ‬السماوية‭ ‬الأخرى،‭ ‬بينما‭ ‬يقول‭ ‬المستشرق‭ ‬الأميركي‭ ‬“غوستاف”‭ ‬إنّ‭ ‬وقعة‭ ‬كربلاء‭ ‬ذات‭ ‬أهمية‭ ‬كونية‭ ‬أثر‭ ‬فيها‭ ‬مقتله‭ ‬تأثيراً‭ ‬لم‭ ‬تبلغه‭ ‬أية‭ ‬شخصية‭ ‬مسلمة‭ ‬أخرى،‭ ‬وأمّا‭ ‬الهندوسي‭ ‬“تاملاس”‭ ‬فيقول‭ ‬إنّ‭ ‬هذه‭ ‬التضحيات‭ ‬الكبرى‭ ‬رفعت‭ ‬مستوى‭ ‬الفكر‭ ‬البشري‭. ‬إنّ‭ ‬مأساة‭ ‬الحسين‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬أسمى‭ ‬معاني‭ ‬الاستشهاد‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬العدل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬على‭ ‬حدّ‭ ‬قول‭ ‬الباحث‭ ‬الإنجليزي‭ ‬“جون‭ ‬آشر”‭.‬

نافلة‭: ‬

يحظى‭ ‬موسم‭ ‬عاشوراء‭ ‬الحسين‭ (‬ع‭) ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬منذ‭ ‬مئات‭ ‬السنين‭ ‬بخصوصية‭ ‬دينية‭ ‬وثقافية‭ ‬واجتماعية‭ ‬وخيرية‭ ‬انفردت‭ ‬بها‭ ‬عن‭ ‬باقي‭ ‬دول‭ ‬العالم؛‭ ‬تخليداً‭ ‬لهذه‭ ‬الذكرى‭ ‬الأليمة‭ ‬التي‭ ‬يتكامل‭ ‬فيها‭ ‬الدّعم‭ ‬الحكومي‭ ‬مع‭ ‬الجهود‭ ‬الأهلية‭ ‬وفق‭ ‬أعلى‭ ‬المستويات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توفير‭ ‬التسهيلات‭ ‬اللازمة‭ ‬والخدمات‭ ‬المقدمة‭ ‬للمآتم‭ ‬والحسينيات‭ ‬ومواكب‭ ‬العزاء‭ ‬واللطم‭ ‬وأكشاك‭ ‬المضائف‭ ‬والتوزيعات‭ ‬التي‭ ‬تتشارك‭ ‬فيها‭ ‬مختلف‭ ‬فئات‭ ‬المواطنين‭ ‬وتواظب‭ ‬على‭ ‬حضورها‭ ‬متنوع‭ ‬الجنسيات‭ ‬من‭ ‬الجاليات‭ ‬العربية‭ ‬والأجنبية‭ ‬المقيمة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬القرى‭ ‬والمدن‭ ‬البحرينية‭.‬