منذ القدم.. عاشوراء البحرين “إشعاع حضاري”

| عادل عيسى المرزوق

لو‭ ‬طرح‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منا‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ :‬”هل‭ ‬أنا‭ ‬وعائلتي‭ ‬نحيي‭ ‬ذكرى‭ ‬عاشوراء‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬وفق‭ ‬مسؤوليتنا‭ ‬الشرعية‭ ‬والوطنية‭ ‬والاجتماعية؟”،‭ ‬لوجدنا‭ ‬أن‭ ‬المرتبة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الإجابات‭ ‬تتأسس‭ ‬على‭ ‬“الالتزام”‭.. ‬وتتلوها‭ ‬مفاهيم‭ ‬ومقاصد‭ ‬لهذا‭ ‬الالتزام،‭ ‬وسنأتي‭ ‬عليها‭ ‬بصورة‭ ‬موجزة‭ ‬في‭ ‬حديثنا‭.‬

إن‭ ‬ذكرى‭ ‬عاشوراء‭ ‬الحسين‭ ‬“ع”‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬ومنذ‭ ‬القدم،‭ ‬هي‭ ‬مناسبة‭ ‬دينية‭ ‬واجتماعية‭ ‬لها‭ ‬مكانتها‭ ‬لتمثل‭ ‬إشعاعًا‭ ‬حضاريًا‭ ‬عميق‭ ‬الأثر‭ ‬في‭ ‬استلهام‭ ‬الدروس‭ ‬والمعاني‭ ‬والقيم‭ ‬والمبادئ،‭ ‬وبالتالي،‭ ‬فهي‭ ‬محطة‭ ‬سنوية‭ ‬تجدد‭ ‬معاني‭ ‬إنسانية‭ ‬كبيرة،‭ ‬ولأن‭ ‬البحرين‭ ‬كما‭ ‬قلنا،‭ ‬منذ‭ ‬سنين‭ ‬قديمة‭ ‬لها‭ ‬خصوصيتها‭ ‬وتفردها‭ ‬على‭ ‬سائر‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬الإحياء‭ ‬العاشورائي،‭ ‬فهي‭ ‬أيضًا‭ ‬تجمعنا‭ ‬كأبناء‭ ‬شعب‭ ‬واحد‭ ‬لنتوحد‭ ‬ونقوي‭ ‬نسيجنا‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ووحدتنا‭ ‬الوطنية،‭ ‬بمشاركة‭ ‬الجميع‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬القيادة‭ ‬الرشيدة،‭ ‬ففي‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬تأتي‭ ‬توجيهات‭ ‬عاهل‭ ‬البلاد‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬للديوان‭ ‬الملكي‭ ‬بتوزيع‭ ‬العادة‭ ‬السنوية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬إدارتي‭ ‬الأوقاف‭ ‬السنية‭ ‬والجعفرية‭ ‬على‭ ‬الجمعيات‭ ‬الخيرية‭ ‬والمآتم‭ ‬الحسينية،‭ ‬وهي‭ ‬عادة‭ ‬كريمة‭ ‬تفردت‭ ‬فيها‭ ‬البحرين‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭.‬

وفي‭ ‬مقدمة‭ ‬الحديث‭ ‬أشرت‭ ‬إلى‭ ‬الالتزام‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الشرعي‭ ‬والوطني‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬ولأننا‭ ‬رأينا‭ ‬ترتيبات‭ ‬الاستعداد‭ ‬قبل‭ ‬الموسم،‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬والعام‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬عاشوراء‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الفريق‭ ‬الوطني‭ ‬الطبي‭ ‬لمكافحة‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬والجهات‭ ‬الرسمية‭ ‬بمختلف‭ ‬اختصاصاتها،‭ ‬وكذلك‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬الأوقاف‭ ‬الجعفرية‭ ‬والمآتم‭ ‬والحسينيات‭ ‬والمواكب،‭ ‬وهذه‭ ‬الترتيبات‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬هدف‭ ‬واحد،‭ ‬وهو‭ ‬حماية‭ ‬الجميع‭ ‬وسلامتهم‭ ‬خصوصًا‭ ‬مع‭ ‬انخفاض‭ ‬عدد‭ ‬حالات‭ ‬الإصابة‭ ‬بالفيروس‭ ‬والوفيات،‭ ‬وأول‭ ‬التزام‭ ‬شرعي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الذكرى‭ ‬علينا‭ ‬جميعًا‭ ‬هو‭ ‬ألا‭ ‬نفرط‭ ‬فيما‭ ‬تحقق،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬التزام‭ ‬الجميع،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬شريحة‭ ‬الشباب‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬الإحياء،‭ ‬منطلقًا‭ ‬من‭ ‬مسؤولية‭ ‬شرعية‭ ‬كما‭ ‬أقر‭ ‬ودعا‭ ‬العلماء‭ ‬الأفاضل،‭ ‬ولهذا،‭ ‬فإن‭ ‬بضع‭ ‬ممارسات‭ ‬وتجمعات‭ ‬خالفت‭ ‬المتفق‭ ‬عليه،‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬تعاد‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬الصواب‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬الإحياء‭ ‬أنفسهم،‭ ‬فلغة‭ ‬التحدي‭ ‬الفارغة‭ ‬وتجاوز‭ ‬الضوابط‭ ‬تعرضنا‭ ‬جميعًا‭ ‬للخطر،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬الأوضاع‭ ‬والمنحنى‭ ‬إلى‭ ‬الارتفاع‭ ‬لا‭ ‬قدر‭ ‬لها،‭ ‬فهذه‭ ‬مسؤولية‭ ‬شرعية‭. ‬أما‭ ‬المسؤولية‭ ‬الوطنية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬فنخترصها‭ ‬في‭ ‬واجبنا‭ ‬جميعًا‭ ‬كمواطنين‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬نحمي‭ ‬بلادنا‭ ‬وأهلنا‭ ‬بالتزامنا‭ ‬المسؤول،‭ ‬ولا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بضع‭ ‬ممارسات‭ ‬وتجاوزات‭ ‬“غير‭ ‬مسؤولة”‭ ‬هي‭ ‬الأصل،‭ ‬بل‭ ‬الأصل‭ ‬هو‭ ‬الالتزام‭ ‬بإجراءات‭ ‬الدولة‭ ‬ودعوات‭ ‬الفقهاء‭ ‬والعلماء‭ ‬والخطباء‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يقصروا‭ ‬في‭ ‬إيصال‭ ‬الرسالة‭ ‬بكل‭ ‬وضوح‭ ‬لحفظ‭ ‬الأنفس‭ ‬مع‭ ‬الإحياء‭ ‬بالالتزام‭ ‬والضوابط‭.‬

بالتأكيد،‭ ‬كلنا‭ ‬نقدر‭ ‬جهود‭ ‬اللجنة‭ ‬التنسيقية‭ ‬برئاسة‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬وجهود‭ ‬الفريق‭ ‬الوطني‭ ‬وكل‭ ‬الجهات‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬منذ‭ ‬عامين‭ ‬بلا‭ ‬هوادة‭ ‬لحماية‭ ‬بلادنا،‭ ‬ونثني‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموسم‭ ‬على‭ ‬روح‭ ‬المسؤولية‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحسينية،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬نرفع‭ ‬مؤشر‭ ‬الالتزام،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬“عشرة‭ ‬عاشوراء”‭ ‬بل‭ ‬طوال‭ ‬موسم‭ ‬شهري‭ ‬محرم‭ ‬وصفر،‭ ‬مع‭ ‬تقديرنا‭ ‬وعرفاننا‭ ‬لتوجيهات‭ ‬قيادتنا‭  ‬والعمل‭ ‬المبذول‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬كل‭ ‬الأجهزة‭ ‬الحكومية،‭ ‬والتزام‭ ‬أبناء‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬بكل‭ ‬مسؤولية‭ ‬وجدارة‭.‬

وكما‭ ‬أن‭ ‬ذكرى‭ ‬عاشوراء‭ ‬“إشعاع‭ ‬حضاري”‭ ‬في‭ ‬قيمها‭ ‬ومعانيها،‭ ‬أقترح‭ ‬على‭ ‬أصحاب‭ ‬الفضيلة‭ ‬الخطباء‭ ‬وكذلك‭ ‬الرواديد،‭ ‬تكرار‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬التزام‭ ‬الجميع‭ ‬بالإجراءات‭ ‬الاحترازية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مجالسهم،‭ ‬فللمنبر‭ ‬الحسيني‭ ‬أثره‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬المنافع‭ ‬ودرء‭ ‬الأضرار‭.‬