جبر الخواطر

| هدى حرم

إنْ‭ ‬كنتَ‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬القلوب‭ ‬المُتصحرة‭ ‬الجافة‭ ‬من‭ ‬المشاعر‭ ‬والحِس،‭ ‬وتعملُ‭ ‬بضغطة‭ ‬زرٍ‭ ‬كآليٍ‭ ‬مُبرمج‭ ‬بعشراتِ‭ ‬البرامج‭ ‬وآلاف‭ ‬الحروف‭ ‬والكلمات،‭ ‬دعْني‭ ‬أقولُ‭ ‬لكَ‭ ‬إنَّ‭ ‬صحراء‭ ‬الربع‭ ‬الخالي‭ ‬أبرقتْ‭ ‬سماؤها‭ ‬وأرعدت‭ ‬وجادت‭ ‬عليها‭ ‬بغيثٍ‭ ‬وفير‭ ‬وهي‭ ‬صحراء‭ ‬قاحلة،‭ ‬وإنَّ‭ ‬روبوتات‭ ‬بُرمجت‭ ‬على‭ ‬إصدار‭ ‬مشاعرَ‭ ‬حبٍ‭ ‬وتعاطفٍ‭ ‬واهتمام‭ ‬تحاكي‭ ‬البشر،‭ ‬فمتى‭ ‬يحين‭ ‬دورك‭ ‬أيها‭ ‬البشري‭ ‬الفض‭ ‬لتهتم‭ ‬وتشاركَ‭ ‬الناس‭ ‬همومها‭ ‬وتجبرَ‭ ‬خواطرها؟

إنَّ‭ ‬لجبرِ‭ ‬الخواطر‭ ‬عناوين‭ ‬عدة‭ ‬لا‭ ‬تقتصرُ‭ ‬على‭ ‬الكلمة‭ ‬الطيبة‭. ‬هل‭ ‬جربتَ‭ ‬أنْ‭ ‬تمسحَ‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬يتيم،‭ ‬أنْ‭ ‬تحفظَ‭ ‬ماءَ‭ ‬وجه‭ ‬السائل‭ ‬فتجودَ‭ ‬عليه‭ ‬بأفضل‭ ‬ما‭ ‬تملك‭ ‬دون‭ ‬مَنٍّ‭ ‬أو‭ ‬أذى،‭ ‬أن‭ ‬تُشاركَ‭ ‬الناس‭ ‬أفراحَهم‭ ‬وأحزانهم‭ ‬وأنْ‭ ‬تهتمَّ‭ ‬بمشاعرهم،‭ ‬فتُداريهم‭ ‬وتواسيهم‭ ‬وتجلو‭ ‬الهمَّ‭ ‬عن‭ ‬قلوبهم،‭ ‬أن‭ ‬تقبَلَ‭ ‬اعتذار‭ ‬من‭ ‬أساء‭ ‬إليك‭ ‬دون‭ ‬قصدٍ‭ ‬وتسامحه؟

إن‭ ‬مواساةَ‭ ‬الآخرين‭ ‬وقت‭ ‬العُسرة‭ ‬والضيق،‭ ‬وتقديم‭ ‬العون‭ ‬للفقير‭ ‬والمسكين‭ ‬وعيادةَ‭ ‬المريض‭ ‬المُتعب‭ ‬المنعزل‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬والناس،‭ ‬لهي‭ ‬من‭ ‬أبرزِ‭ ‬مصاديق‭ ‬جبرِ‭ ‬الخواطر،‭ ‬فلا‭ ‬أجملَ‭ ‬من‭ ‬جبرِ‭ ‬خاطر‭ ‬بائعٍ‭ ‬متجول‭ ‬تحت‭ ‬أشعة‭ ‬الشمس‭ ‬المُحرقة‭ ‬بشراءِ‭ ‬ما‭ ‬يبيع‭ ‬ليذهبَ‭ ‬لبيته‭ ‬سالما‭ ‬غانما،‭ ‬ولا‭ ‬أحلى‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نقدم‭ ‬العونَ‭ ‬لزميلٍ‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬تأديةِ‭ ‬مهمات‭ ‬عزَّ‭ ‬عليه‭ ‬إتمامها‭ ‬لظرفٍ‭ ‬ما،‭ ‬وليس‭ ‬بأجمل‭ ‬من‭ ‬رسمِ‭ ‬البسمة‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬طفلٍ‭ ‬بإعطائه‭ ‬لعبة‭ ‬أو‭ ‬حلوى‭!‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬نعيشها‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬فقدٍ‭ ‬ومرضٍ‭ ‬وعُسرٍ‭ ‬في‭ ‬الحال‭ ‬بعد‭ ‬الجائحة،‭ ‬نحن‭ ‬بحاجةٍ‭ ‬مضاعفةٍ‭ ‬لجبر‭ ‬خواطرِ‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض،‭ ‬قد‭ ‬تُجبرُ‭ ‬الخواطرُ‭ ‬بكلمة،‭ ‬أو‭ ‬بدعاء‭ ‬أو‭ ‬موعظة،‭ ‬وقد‭ ‬تكفي‭ ‬ابتسامة‭... ‬قالوا‭ ‬قديماً‭ ‬في‭ ‬المثل‭: ‬“من‭ ‬سارَ‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬جابراً‭ ‬للخواطر،‭ ‬رعاهُ‭ ‬اللهُ‭ ‬في‭ ‬جوفِ‭ ‬المخاطر”‭.‬