ياسمينيات

الصدق العاري

| ياسمين خلف

تقول‭ ‬الأسطورة‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬الروسي‭ ‬إن‭ ‬الصدق‭ ‬والكذب‭ ‬التقيا‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬ميعاد،‭ ‬فنادى‭ ‬الكذب‭ ‬على‭ ‬الصدق‭ ‬قائلاً‭ ‬“اليوم‭ ‬الطقس‭ ‬جميل”،‭ ‬نظر‭ ‬الصدق‭ ‬حوله،‭ ‬نظر‭ ‬إلى‭ ‬السماء،‭ ‬وكان‭ ‬الطقس‭ ‬جميلاً‭ ‬حقاً،‭ ‬وقضيا‭ ‬معا‭ ‬بعض‭ ‬الوقت،‭ ‬حتى‭ ‬وصلا‭ ‬إلى‭ ‬بحيرة‭ ‬ماء،‭ ‬أنزل‭ ‬الكذب‭ ‬يده‭ ‬في‭ ‬الماء‭ ‬ثم‭ ‬نظر‭ ‬إلى‭ ‬الصدق‭ ‬وقال‭: ‬“الماء‭ ‬دافئ‭ ‬وجيد،‭ ‬وإذا‭ ‬أردت‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نسبح‭ ‬معاً”،‭ ‬ويا‭ ‬للغرابة،‭ ‬كان‭ ‬الكذب‭ ‬محقاً‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬كذلك،‭ ‬فقد‭ ‬وضع‭ ‬الصدق‭ ‬يده‭ ‬في‭ ‬الماء‭ ‬ووجده‭ ‬دافئاً‭ ‬وجيداً،‭ ‬قاموا‭ ‬بالسباحة‭ ‬بعض‭ ‬الوقت،‭ ‬وفجأة‭ ‬خرج‭ ‬الكذب‭ ‬من‭ ‬الماء،‭ ‬ثم‭ ‬ارتدى‭ ‬ثوب‭ ‬الصدق‭ ‬وولى‭ ‬هارباً‭ ‬واختفى‭! ‬خرج‭ ‬الصدق‭ ‬من‭ ‬الماء‭ ‬غاضباً،‭ ‬عارياً،‭ ‬وبدأ‭ ‬يركض‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الاتجاهات‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬الكذب‭ ‬لاسترداد‭ ‬ملابسه،‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬رأى‭ ‬الصدق‭ ‬عارياً،‭ ‬أدار‭ ‬نظره‭ ‬من‭ ‬الخجل‭ ‬والعار،‭ ‬أما‭ ‬الصدق‭ ‬المسكين‭ ‬فمن‭ ‬شدة‭ ‬خجله‭ ‬من‭ ‬نظرة‭ ‬الناس‭ ‬إليه،‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬البحيرة‭ ‬واختفى‭ ‬هناك‭ ‬إلى‭ ‬الأبد،‭ ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين،‭ ‬يتجول‭ ‬الكذب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬العالم،‭ ‬مرتدياً‭ ‬ثياب‭ ‬الصدق،‭ ‬محققاً‭ ‬كل‭ ‬رغبات‭ ‬العالم،‭ ‬والعالم‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬بأي‭ ‬حال‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬الصدق‭ ‬عارياً‭!‬

الكذب‭ ‬من‭ ‬حولنا‭ ‬وبيننا‭ ‬يعيش،‭ ‬تجده‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الوجوه،‭ ‬فلا‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬أحد‭ ‬منها،‭ ‬أصبح‭ ‬الصدق‭ ‬غريباً‭ ‬بيننا‭ ‬ومنبوذاً‭ ‬ولا‭ ‬يتحمل‭ ‬أحد‭ ‬كلمة‭ ‬منه،‭ ‬فإما‭ ‬أن‭ ‬يهجرك‭ ‬أو‭ ‬حمل‭ ‬عليك‭ ‬سيف‭ ‬العداء‭. ‬تطلب‭ ‬من‭ ‬طفلك‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬صادقاً‭ ‬ويراك‭ ‬تكذب‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭! ‬ويُوبخ‭ ‬المدرس‭ ‬تلميذه‭ ‬على‭ ‬كذبه‭ ‬وهو‭ ‬يمارسه‭ ‬على‭ ‬مديره،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتكّسب‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬تجارة‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬الكذب‭ ‬إحدى‭ ‬أدواته،‭ ‬ولا‭ ‬يجد‭ ‬كل‭ ‬أولئك‭ ‬غضاضة‭ ‬في‭ ‬القسم‭ ‬على‭ ‬كتاب‭ ‬الله‭ ‬وهم‭ ‬يعرفون‭ ‬أنهم‭ ‬كاذبون‭!‬

الصادق‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬يحقق‭ ‬أهدافه،‭ ‬الصادق‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬يربح‭ ‬من‭ ‬تجارته،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يواجه‭ ‬بصدقه‭ ‬جيش‭ ‬الكذابين‭ ‬المقبولين‭ ‬عند‭ ‬المجتمع‭ ‬رغم‭ ‬عريهم،‭ ‬ويجدون‭ ‬من‭ ‬يصفق‭ ‬لهم‭ ‬ومن‭ ‬يشجعهم‭ ‬على‭ ‬المواصلة‭.‬

 

ياسمينة‭: ‬

متى‭ ‬يلقى‭ ‬الصدق‭ ‬رداءه‭ ‬لنراه‭ ‬بيننا‭ ‬دون‭ ‬خجل؟‭.‬