ومضة قلم

أزمة هروب الخادمات

| محمد المحفوظ

البعض‭ ‬يرى‭ ‬أنّ‭ ‬الخادمات‭ ‬طيبات‭ ‬ومسحوقات‭ ‬ومقهورات،‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬هن‭ ‬على‭ ‬النقيض‭ ‬تماما،‭ ‬حيث‭ ‬يمارسن‭ ‬العنف‭ ‬بأبشع‭ ‬صوره،‭ ‬خصوصا‭ ‬تجاه‭ ‬الأطفال‭ ‬الأبرياء‭ ‬لسبب‭ ‬أو‭ ‬بدونه‭... ‬ترى‭ ‬أيّة‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬الأقرب‭ ‬إلى‭ ‬الحقيقة؟

الموضوعية‭ ‬تقتضي‭ ‬القول‭ ‬إنّ‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬بشر،‭ ‬لا‭ ‬ملائكة‭ ‬ولا‭ ‬شياطين،‭ ‬وحكاية‭ ‬الخادمات‭ ‬طويلة‭ ‬جدا،‭ ‬وبدايتها‭ ‬كانت‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬بعيدة‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬متواصلة‭ ‬الحلقات‭ ‬حتى‭ ‬اليوم،‭ ‬والشكاوى‭ ‬متعددة‭ ‬الجوانب‭ ‬ولا‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬حد‭.. ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يرهقهن‭ ‬بواجبات‭ ‬هي‭ ‬خارج‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬تم‭ ‬جلبهنّ‭ ‬كغسيل‭ ‬السيارات‭ ‬مثلا،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يلقي‭ ‬عليهنّ‭ ‬مسؤوليات‭ ‬حتى‭ ‬وقت‭ ‬متأخر،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المهمات‭ ‬التي‭ ‬تنوء‭ ‬بحملها‭ ‬الجبال‭.‬

غير‭ ‬أنّ‭ ‬الذي‭ ‬تأكد‭ ‬عبر‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬مقاطع‭ ‬الفيديو‭ ‬أنّ‭ ‬ممارسات‭ ‬تعذيب‭ ‬بالغة‭ ‬القسوة‭ ‬أقدمت‭ ‬عليها‭ ‬بعضهن‭ ‬تجاه‭ ‬أطفال‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬أعمارهم‭ ‬بسادية‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬لها،‭ ‬والبعض‭ ‬برّر‭ ‬القسوة‭ ‬بأنها‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬طبيعي‭ ‬إزاء‭ ‬ما‭ ‬يتعرضن‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬عنف‭ ‬من‭ ‬ربات‭ ‬البيوت،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يدفع‭ ‬بالخدم‭ ‬إلى‭ ‬الانتقام‭ ‬من‭ ‬الفئة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬حول‭ ‬لها‭ ‬ولا‭ ‬قوة‭. ‬

إنّ‭ ‬الهاجس‭ ‬الأكبر‭ ‬الذي‭ ‬يقض‭ ‬مضاجع‭ ‬أرباب‭ ‬الأسر‭ ‬اليوم‭ ‬ويجعلهم‭ ‬في‭ ‬قلق‭ ‬دائم‭ ‬هو‭ ‬الخشية‭ ‬من‭ ‬هروب‭ ‬الخادمة،‭ ‬إنه‭ ‬الحديث‭ ‬الطاغي‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬برمته‭ ‬طوال‭ ‬سنوات،‭ ‬والمحزن‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬أمل‭ ‬يعيد‭ ‬لهم‭ ‬طمأنينتهم،‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬استمعت‭ ‬لأحدهم‭ ‬يروي‭ ‬بحرقة‭ ‬كيف‭ ‬أنّ‭ ‬الخادمة‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تتسلل‭ ‬وتغادر‭ ‬المنزل،‭ ‬ولم‭ ‬تتوقف‭ ‬المشكلة‭ ‬عند‭ ‬الهروب‭ ‬فحسب‭ ‬لأمكن‭ ‬تعويضه‭ ‬رغم‭ ‬فداحته،‭ ‬لكنّها‭ ‬قبيل‭ ‬تركها‭ ‬المنزل‭ ‬أخذت‭ ‬جواز‭ ‬السفر‭ ‬وشهادة‭ ‬التطعيم‭ ‬ضد‭ ‬كورونا‭ ‬إضافة‭ ‬لشهادة‭ ‬التأمين‭ ‬والتوقيع‭ ‬على‭ ‬استلامها‭ ‬مرتباتها‭ ‬وجميع‭ ‬ملابسها،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬سرقة‭ ‬مبلغ‭ ‬1800‭ ‬دينار‭. ‬السؤال‭ ‬هنا‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬نلقي‭ ‬اللائمة‭ ‬إزاء‭ ‬استفحال‭ ‬ظاهرة‭ ‬هروب‭ ‬الخادمات؟‭ ‬أغلبية‭ ‬الآراء‭ ‬تتفق‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬الإجراءات‭ ‬المتبعة‭ ‬تجاه‭ ‬الهاربات‭ ‬متساهلة‭ ‬جدا،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يدفعهن‭ ‬للهروب‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تأتي‭ ‬المناشدة‭ ‬لأصحاب‭ ‬الشأن‭ ‬بإجراءت‭ ‬أكثر‭ ‬صرامة‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬الظاهرة‭ ‬أو‭ ‬الحد‭ ‬منها‭. ‬ولا‭ ‬يغيب‭ ‬عن‭ ‬الذهن‭ ‬أنّ‭ ‬العامل‭ ‬الآخر‭ ‬وراء‭ ‬هروبهن‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬العصابات‭ ‬الإجرامية‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬إغرائهنّ‭ ‬بأجور‭ ‬خيالية،‭ ‬لكن‭ ‬المؤسف‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يجدونه‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬شرك‭ ‬ومواقع‭ ‬مشبوهة‭.‬