من أهداف الهجرة ونتائجها

| عبدعلي الغسرة

لقد‭ ‬استبسل‭ ‬الرسول‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭) ‬في‭ ‬تبليغ‭ ‬رسالته‭ ‬الإلهية‭ ‬بمكة‭ ‬بكل‭ ‬شجاعة‭ ‬وقوة،‭ ‬فهجرته‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬خوفًا‭ ‬من‭ ‬قريش‭ ‬وتعذيبها‭ ‬المسلمين،‭ ‬ولا‭ ‬خوفًا‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬وأهل‭ ‬بيته،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬برغبته‭ ‬الشخصية،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬بأمرٍ‭ ‬من‭ ‬الله،‭ ‬ولبقاء‭ ‬النبوة‭ ‬وإتمامها،‭ ‬ولبناء‭ ‬دولة‭ ‬الدين‭ ‬وترسيخ‭ ‬أركانه‭ ‬وتعزيزه‭ ‬بالقوة‭ ‬البشرية‭ ‬التي‭ ‬أسلمت‭ ‬لرب‭ ‬العالمين‭. ‬لقد‭ ‬جاهد‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭ ‬وتعرضت‭ ‬حياته‭ ‬للخطر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة،‭ ‬وقُتل‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬أصحابه،‭ ‬واستبسلوا‭ ‬جميعًا‭ ‬بشجاعة‭ ‬وقوة‭ ‬أخافت‭ ‬قريش،‭ ‬وعندما‭ ‬خرج‭ ‬مهاجرًا‭ ‬مع‭ ‬ثلةٍ‭ ‬من‭ ‬أهله‭ ‬وأصحابه‭ ‬تنفس‭ ‬أولئك‭ ‬الكِبار‭ ‬الصعداء‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬حتى‭ ‬عاد‭ ‬إليهم‭ ‬بجيشٍ‭ ‬جرار‭ ‬فتح‭ ‬به‭ ‬مكة‭ ‬فحطم‭ ‬أصنامهم‭ ‬وأحكم‭ ‬فيهم‭ ‬شرع‭ ‬الله،‭ ‬ولم‭ ‬يؤذهم‭ ‬بل‭ ‬عاملهم‭ ‬بالرِفق‭ ‬واللين‭ ‬والموعظة‭ ‬الحسنة،‭ ‬ما‭ ‬عجل‭ ‬دخول‭ ‬الأكثرية‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬دين‭ ‬الله‭ ‬مسلمين‭ ‬مسالمين‭. ‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬للهجرة‭ ‬النبوية‭ ‬أسبابها‭ ‬ونتائجها،‭ ‬فمن‭ ‬تلك‭ ‬الأسباب،‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬بدأ‭ ‬به‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭ ‬من‭ ‬النبوة‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬للتنكيل‭ ‬والفتك‭ ‬بأفرادها‭ ‬في‭ ‬مكة‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬ظهورها،‭ ‬وثانيًا‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬بطش‭ ‬المناوئين‭ ‬وتحقيق‭ ‬مقاصد‭ ‬الشريعة‭ ‬بحفظ‭ ‬النفس،‭ ‬وثالثًا‭ ‬لبناء‭ ‬دولة‭ ‬الدين‭ ‬وتمتين‭ ‬أركان‭ ‬العقيدة‭ ‬روحيًا‭ ‬ومعنويًا،‭ ‬ورابعًا‭ ‬لبناء‭ ‬جيش‭ ‬عسكري‭ ‬ليحفظ‭ ‬الدولة‭ ‬ودينها‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬اعتداء،‭ ‬حيث‭ ‬ساهم‭ ‬هذا‭ ‬الجيش‭ ‬بغزوات‭ ‬نقلت‭ ‬الدولة‭ ‬ودينها‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬الاستضعاف‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬القوة‭ ‬والتمكين،‭ ‬وخامسًا‭ ‬لتعريف‭ ‬الناس‭ ‬بالدين‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬دخله‭ ‬الكثيرون،‭ ‬وسادسًا‭ ‬غرس‭ ‬مبادئ‭ ‬الدين‭ ‬وتعاليمه‭ ‬في‭ ‬عقل‭ ‬وروح‭ ‬من‭ ‬آمن‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭ ‬ونخبة‭ ‬من‭ ‬المؤمنين‭ ‬الأوائل‭ ‬من‭ ‬الصحابة‭ ‬الكرام‭ ‬الذين‭ ‬سعوا‭ ‬ليعلموا‭ ‬الناس‭ ‬تعاليم‭ ‬الإسلام‭.‬

لم‭ ‬تكن‭ ‬الهجرة‭ ‬المحمدية‭ ‬كأي‭ ‬حدث‭ ‬عابر،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬حدثًا‭ ‬عظيمًا‭ ‬غيرَ‭ ‬مجرى‭ ‬التاريخ،‭ ‬وفيصلًا‭ ‬بين‭ ‬مرحلة‭ ‬الدعوة‭ ‬المكية‭ ‬والدعوة‭ ‬المدنية،‭ ‬وكانت‭ ‬لهذه‭ ‬الهجرة‭ ‬نتائجها‭ ‬الكريمة،‭ ‬على‭ ‬الرسول‭ ‬والذين‭ ‬آمنوا‭ ‬وعلى‭ ‬دين‭ ‬الله،‭ ‬فمن‭ ‬نتائجها‭ ‬انتشار‭ ‬الإسلام‭ ‬وانتصاره‭ ‬بفضل‭ ‬ما‭ ‬تحلى‭ ‬به‭ ‬الرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭ ‬والذين‭ ‬آمنوا‭ ‬معه‭ ‬من‭ ‬معاني‭ ‬الصبر‭ ‬والإخاء‭ ‬والتضحية‭ ‬والتوكل‭ ‬على‭ ‬الله‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬الثبات،‭ ‬وبذلك‭ ‬قامت‭ ‬دولتهم‭ ‬وانتصروا‭ ‬على‭ ‬عدوهم‭. ‬كانت‭ ‬الهجرة‭ ‬عنوانا‭ ‬لنشر‭ ‬مبادئ‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬التسامح‭ ‬والإخاء‭ ‬وعدم‭ ‬الاعتداء‭ ‬على‭ ‬الآخر‭ ‬وبتوصيل‭ ‬حقوق‭ ‬الآخرين‭ ‬وإنصافهم‭ ‬بالحق‭ ‬والعدل‭.‬