ما يحدث في تونس وقصتنا مع الربيع العربي

| عبدالنبي الشعلة

التطورات‭ ‬المؤسفة‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬تشهدها‭ ‬تونس‭ ‬اليوم،‭ ‬هي‭ ‬بكل‭ ‬وضوح‭ ‬وتأكيد،‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬العام‭ ‬2010‭ ‬ومطلع‭ ‬العام‭ ‬2011‭ ‬عندما‭ ‬اختيرت‭ ‬تونس‭ ‬لتكون‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬انطلق‭ ‬منها‭ ‬شعار‭ ‬“الشعب‭ ‬يريد‭ ‬إسقاط‭ ‬النظام”‭ ‬وانطلقت‭ ‬منها‭ ‬شرارة‭ ‬حركة‭ ‬تدميرية‭ ‬سماها‭ ‬مخططوها‭ ‬ومنفذوها‭ ‬بـ‭ ‬“الربيع‭ ‬العربي”‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬الإطاحة‭  ‬بالأنظمة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬نتيجة‭ ‬لذلك‭ ‬تعيش‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التشتت‭ ‬والفوضى‭ ‬وتعاني‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬وأنقاض‭ ‬ما‭ ‬سببته‭ ‬تلك‭ ‬الحركة‭ ‬من‭ ‬خراب‭ ‬ودمار؛‭ ‬ليبيا‭ ‬واليمن‭ ‬مثالين‭. ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الخليجية‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المرشحة‭ ‬والمستهدفة‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬وكان‭ ‬يراد‭ ‬للبحرين‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬تونس‭ ‬الخليج،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬إرادة‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬شاءت‭ ‬أن‭ ‬تحمينا‭ ‬وتنجينا‭.‬

‭ ‬وليس‭ ‬بخفي‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬الآن،‭ ‬أن‭ ‬عاصفة‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬التي‭ ‬عصفت‭ ‬بالدول‭ ‬العربية‭ ‬لم‭ ‬تهب‭ ‬فجأة‭ ‬أو‭ ‬صدفة،‭ ‬أو‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬أو‭ ‬سوء‭ ‬الطالع،‭ ‬ولم‭ ‬تأت‭ ‬تلقائيا،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬عملا‭ ‬مهيأ‭ ‬ومدبرا‭ ‬ومخططا‭ ‬له‭ ‬بدقة‭ ‬وإحكام‭ ‬منذ‭ ‬قرار‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬المصدرة‭ ‬للنفط‭ ‬بقيادة‭ ‬الملك‭ ‬فيصل‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1973‭ ‬بوقف‭ ‬إمدادات‭ ‬النفط‭ ‬عن‭  ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وباقي‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬المساندة‭ ‬لإسرائيل؛‭ ‬لدفع‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬للانسحاب‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬العربية‭ ‬المحتلة‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬1967‭. ‬وكانت‭ ‬اعتداءات‭ ‬11‭ ‬سبتمبر‭ ‬2001‭ ‬الإرهابية‭ ‬التي‭ ‬نفذها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬هي‭ ‬الحدث‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬معاقبة‭ ‬الأنظمة‭ ‬العربية‭ ‬أمرا‭ ‬لا‭ ‬يحتمل‭ ‬التأخير‭ ‬؛‭ ‬فكان‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬بعد‭ ‬عامين،‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2003،‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬ونفذ‭ ‬بالأسلوب‭ ‬العسكري‭ ‬التقليدي،‭ ‬أما‭ ‬باقي‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬ومنها‭ ‬الخليجية،‭ ‬فقد‭ ‬استخدم‭ ‬في‭ ‬حقها‭ ‬أسلوب‭ ‬“الحرب‭ ‬الناعمة”‭.‬

وكانت‭ ‬فكرة‭ ‬“الحرب‭ ‬الناعمة”‭ ‬ضمن‭ ‬مفهوم‭ ‬“الجيل‭ ‬الرابع‭ ‬للحروب”‭ ‬قد‭ ‬نشأت‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1989‭ ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬هُدم‭ ‬جدار‭ ‬برلين‭ ‬كمقدمة‭ ‬لانهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬وكتلته‭ ‬الشيوعية‭ ‬الاشتراكية،‭ ‬وهزيمتهم‭ ‬الساحقة‭ ‬والمحرجة‭ ‬أمام‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والمعسكر‭ ‬الغربي‭ ‬والنظام‭ ‬الرأسمالي،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إطلاق‭ ‬صاروخ‭ ‬أو‭ ‬رصاصة‭ ‬واحدة‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬منهم،‭ ‬لقد‭ ‬تم‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬باستخدام‭ ‬الوسائل‭ ‬والأسلحة‭ ‬الناعمة‭ ‬أو‭ ‬“القوة‭ ‬الناعمة”‭ (‬Soft Power‭)‬؛‭ ‬وهو‭ ‬مفهوم‭ ‬صاغه‭ ‬وعرَّفه‭ ‬أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬والمفكر‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الأميركي‭ ‬جوزيف‭ ‬ناى‭ (‬Joseph Nye Jr‭) ‬بأنه‭: ‬“التأثير‭ ‬على‭ ‬الرأي‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والعام‭ ‬وتغييره‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قنوات‭ ‬أقل‭ ‬شفافية‭ ‬نسبيا‭ ‬والضغط‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬السياسية‭ ‬وغير‭ ‬السياسية”‭ ‬موضحًا‭ ‬أن‭ ‬“حسم‭ ‬الصراعات‭ ‬بالقوة‭ ‬العسكرية‭ ‬وحدها‭ ‬أصبح‭ ‬أمرا‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬الانفتاح‭ ‬وقوة‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬والبرمجيات‭ ‬قد‭ ‬تشكل‭ ‬عائقا‭ ‬كلما‭ ‬حاولت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬شن‭ ‬حرب‭ ‬جديدة”،‭ ‬ودعا‭ ‬إلى‭ ‬“اعتماد‭ ‬استراتيجية‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬لضمان‭ ‬حلفاء‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الحكام‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬شعوب‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬أمريكا‭ ‬فرض‭ ‬سيطرتها‭ ‬عليها‭ ‬بشكل‭ ‬ما”‭ ‬مضيفًا‭ ‬أنه‭ ‬“في‭ ‬عصر‭ ‬المعلومات‭ ‬تعد‭ ‬المصداقية‭ ‬أندر‭ ‬الموارد”‭. ‬

وخلال‭ ‬العدوان‭ ‬الأميركي‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬طور‭ ‬ناي‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬“القوة‭ ‬الناعمة‭: ‬وسيلة‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الدولية”‭ ‬ليؤكد‭ ‬أن‭ ‬أميركا‭ ‬كانت‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬كسب‭ ‬المعركة‭ ‬مع‭ ‬العراق‭ ‬بقوتها‭ ‬الناعمة‭ ‬دون‭ ‬تكلفة‭ ‬تذكر‭..‬

في‭ ‬حروب‭ ‬الجيل‭ ‬الرابع‭ ‬والحروب‭ ‬الناعمة‭ ‬يجوز‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬استخدام‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬استخدام‭ ‬أو‭ ‬إساءة‭ ‬استخدام‭ ‬القيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬والمعتقدات‭ ‬ضمن‭ ‬الأسلحة‭ ‬الناعمة،‭ ‬وكانت‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬تطبيق‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بنسختها‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬بلداننا‭ ‬هي‭ ‬المبدأ‭  ‬أو‭ ‬الشعار‭ ‬أو‭ ‬الراية‭ ‬التي‭ ‬حُمِلت‭ ‬في‭ ‬الحملات‭ ‬الناعمة‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬دولنا‭ ‬والتي‭ ‬أدت‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬اندلاع‭ ‬نيران‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭. ‬

وفي‭ ‬الحروب‭ ‬الناعمة‭ ‬تصبح‭ ‬الدولة‭ ‬تحارب‭ ‬نفسها،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الحروب‭ ‬لا‭ ‬تستخدم‭ ‬الأسلحة‭ ‬التقليدية،‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والمعلومات‭ ‬هي‭ ‬الأسلحة‭ ‬المفضلة،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬جنود‭ ‬المعتدي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحروب‭ ‬عسكريين‭ ‬بل‭ ‬هم‭ ‬خبراء‭ ‬في‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬النفاذ‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬للدولة‭ ‬المستهدفة‭ ‬وإدارته‭ ‬وتحريكه‭ ‬وتعطيل‭ ‬الوعي‭ ‬وبث‭ ‬الإشاعات‭ ‬واستثمار‭ ‬معاناة‭ ‬الناس‭ ‬لخلق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الإحباط‭ ‬والتذمر‭ ‬والاستياء‭ ‬والتوتر‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬بما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬نمو‭ ‬شعور‭ ‬الكراهية‭ ‬والعداء‭ ‬للنظام‭ ‬الحاكم،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬فإن‭ ‬المعتدي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحروب‭ ‬لا‭ ‬يستخدم‭ ‬جنوده‭ ‬بل‭ ‬يستخدم‭ ‬مواطني‭ ‬الدولة‭ ‬المستهدفة‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬شبكات‭ ‬ومؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬السياسية‭ ‬منها‭ ‬وغير‭ ‬السياسية‭ ‬وجماعات‭ ‬ما‭ ‬دون‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬يرتبط‭ ‬ولاؤها‭ ‬بالدول‭ ‬أو‭ ‬الجهات‭ ‬التي‭ ‬تمولها‭ ‬وترعاها‭.‬

في‭ ‬البحرين،‭ ‬عندما‭ ‬تولى‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬مقاليد‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1999‭ ‬استشعر‭ ‬أجواء‭ ‬المزاج‭ ‬العالمي،‭ ‬وأدرك‭ ‬طبيعة‭ ‬وحجم‭ ‬التحديات‭ ‬المقبلة،‭ ‬وأراد‭ ‬استباق‭ ‬الأحداث‭ ‬وقطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬المتربصين؛‭ ‬فأرسى‭ ‬برنامج‭ ‬نهضة‭ ‬وطنية‭ ‬شاملة‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كونه‭ ‬برنامج‭ ‬إصلاحي‭ ‬كما‭ ‬أطلق‭ ‬عليه،‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬منه‭ ‬تطوير‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬والارتقاء‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬مرتبة‭ ‬“نظام‭ ‬الملكية‭ ‬الدستورية”‭ ‬المرتكز‭ ‬على‭ ‬قواعد‭ ‬ومبادئ‭ ‬الديمقراطية‭ ‬المسؤولة‭.‬

‭ ‬وقتها‭ ‬كنتُ‭ ‬وزيرا‭ ‬للعمل‭ ‬والشؤون‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وهي‭ ‬الجهة‭ ‬المنوط‭ ‬بها‭ ‬الترخيص‭ ‬لإنشاء‭ ‬مؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬مثل‭ ‬الجمعيات‭ ‬والأندية‭ ‬واللجان‭ ‬العمالية‭ ‬وما‭ ‬شابه،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬في‭ ‬أغلبها‭ ‬مهنية‭ ‬أو‭ ‬اجتماعية،‭ ‬وكان‭ ‬القانون‭ ‬لا‭ ‬يجيز‭ ‬لها‭ ‬أو‭ ‬لغيرها‭ ‬التعاطي‭ ‬بالشأن‭ ‬السياسي‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معمول‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬المنطقة،‭ ‬وكان‭ ‬تأسيس‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬محظورا‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬سائد‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬أيضا،‭ ‬وكانت‭ ‬هناك‭ ‬مجموعات‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬المعارضين‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬أسسوا‭ ‬تجمعات‭ ‬سياسية‭ ‬معارضة‭  ‬أطلق‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭ ‬اسم‭ ‬“جبهة”‭.‬

وفور‭ ‬إرساء‭ ‬المشروع‭ ‬الإصلاحي‭ ‬أطلق‭ ‬سراح‭ ‬كل‭ ‬المعتقلين‭ ‬السياسيين،‭ ‬وعاد‭ ‬كل‭ ‬المعارضين‭ ‬الموجودين‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬إلى‭ ‬وطنهم،‭ ‬وانتعشت‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬واكتظ‭ ‬الشارع‭ ‬بحراك‭ ‬سياسي‭ ‬ملحوظ،‭ ‬وأقيمت‭ ‬بشكل‭ ‬متتابع‭ ‬الندوات‭ ‬السياسية‭ ‬والمؤتمرات‭ ‬التي‭ ‬شاركت‭ ‬فيها‭ ‬وجوه‭ ‬سياسية‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬ونظمت‭ ‬المسيرات‭ ‬والمظاهرات‭ ‬بشكل‭ ‬متلاحق،‭ ‬وعدلت‭ ‬القوانين‭ ‬بحيث‭ ‬أجيز‭ ‬تشكيل‭ ‬“الجمعيات‭ ‬السياسية”‭ ‬تجنبا‭ ‬لعبارة‭ ‬“الأحزاب‭ ‬السياسية”،‭ ‬وانهالت‭ ‬على‭ ‬وزارة‭ ‬العمل‭ ‬والشؤون‭ ‬الاجتماعية‭ ‬طلبات‭ ‬لتأسيس‭ ‬الجمعيات‭ ‬السياسية؛‭ ‬الجديدة‭ ‬منها‭ ‬والعائدة‭ ‬من‭ ‬المهجر‭ ‬بحلة‭ ‬جديدة‭ ‬واسم‭ ‬جديد‭.‬

كان‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬على‭ ‬قناعة‭ ‬راسخة‭ ‬بأن‭ ‬تأسيس‭ ‬مؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬قواعد‭ ‬وأعمدة‭ ‬النظام‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬فكان‭ ‬التوجيه‭ ‬الملكي‭ ‬بضرورة‭ ‬تسهيل‭ ‬تسجيلها‭ ‬والإسراع‭ ‬في‭ ‬الترخيص‭ ‬لها‭ ‬لمزاولة‭ ‬أنشطتها‭ ‬بحرية‭ ‬تامة؛‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬بالفعل‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬بعض‭ ‬الأصوات‭ ‬المحذرة‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬حسن‭ ‬النوايا‭ ‬تغلب‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬بدا‭ ‬أنه‭ ‬سوء‭ ‬ظن‭.‬

عند‭ ‬هذا‭ ‬المنعطف‭ ‬بدأت‭ ‬الفعاليات‭ ‬والأدوات‭ ‬الناعمة‭ ‬بالتحرك،‭ ‬فبدأت‭ ‬بعض‭ ‬السفارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬بالاتصال‭ ‬والتواصل‭ ‬المباشر‭ ‬مع‭ ‬الجمعيات‭ ‬السياسية‭ ‬ومؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬الأخرى،‭ ‬وأخذت‭ ‬قيادات‭ ‬وأعضاء‭ ‬بعض‭ ‬الجمعيات‭ ‬بالتردد‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬العواصم‭ ‬منها‭ ‬لندن‭ ‬وطهران‭ ‬وبيروت‭ ‬ودمشق‭ ‬والدوحة،‭ ‬وبدأنا‭ ‬نسمع‭ ‬عن‭ ‬برامج‭  ‬ومبادرات‭ ‬مثل‭ ‬“مبادرة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الكبير”‭ ‬ومبادرة‭ ‬“الشراكة‭ ‬الأميركية‭ ‬مع‭ ‬شعوب‭ ‬وحكومات‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط”،‭ ‬وبدأت‭ ‬أنا‭ ‬أسمع‭ ‬عن‭ ‬منظمات‭ ‬ومؤسسات‭ ‬أجنبية‭ ‬لم‭ ‬أسمع‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬قبل؛‭  ‬ربما‭ ‬لجهل‭ ‬وقصور‭ ‬مني،‭ ‬منها،‭ ‬وليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬أهمها،‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭ ‬“المعهد‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الوطني”‭ ‬و‭ ‬“المعهد‭ ‬الجمهوري‭ ‬الدولي”‭ ‬المموَلَين‭ ‬من‭ ‬الكونغرس‭ ‬الأميركي،‭ ‬واللذَين‭ ‬كانا‭ ‬يسعيان‭ ‬إلى‭ ‬مساعدة‭ ‬مؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬على‭ ‬إرساء‭ ‬أسس‭ ‬النظام‭ ‬الديمقراطي‭! ‬ونُظمت‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬التنسيق‭ ‬مع‭ ‬الجهات‭ ‬الرسمية‭ ‬المختصة،‭ ‬زيارات‭ ‬ميدانية‭ ‬لبعض‭ ‬القادة‭ ‬والمسؤولين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الجمعيات‭ ‬إلى‭ ‬عواصم‭ ‬ومراكز‭ ‬مختلفة‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬دورات‭ ‬تدريبية‭ ‬وورش‭ ‬عمل‭ ‬وندوات‭ ‬ومؤتمرات،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬دور‭ ‬لـ‭ ‬“الوكالة‭ ‬الأميركية‭ ‬للتنمية‭ ‬الدولية”‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تدشن‭ ‬برامج‭ ‬لدعم‭ ‬الديمقراطية‭.‬

وتجنبا‭ ‬للمزيد‭ ‬من‭ ‬الاستطالة‭ ‬والاستطراد‭ ‬لنقفز‭ ‬ونعود‭ ‬إلى‭ ‬العام‭ ‬2011‭ ‬لنرى،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نستغرب،‭ ‬عواصف‭ ‬أو‭ ‬نيران‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬وهي‭ ‬تأتي‭ ‬على‭ ‬الأخضر‭ ‬واليابس‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والتي‭ ‬حمانا‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬لهيبها‭ ‬وسعيرها‭.‬