حظر التمييز

| د. عبدالله الحواج

لم‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬بالجديد،‭ ‬لكنه‭ ‬ملك‭ ‬القلوب،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬مرسوم‭ ‬بقانون‭ ‬يحمل‭ ‬الرقم‭ ‬16‭ ‬لسنة‭ ‬2021‭ ‬أصدر‭ ‬عاهل‭ ‬البلاد‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬إصلاحًا‭ ‬تشريعيًا‭ ‬فوق‭ ‬العادة‭ ‬يمنع‭ ‬بموجبه‭ ‬التمييز‭ ‬في‭ ‬الأجور‭ ‬بين‭ ‬العمال‭ ‬والعاملات‭ ‬بالقطاع‭ ‬الأهلي،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬ذي‭ ‬القيمة‭ ‬المتساوية،‭ ‬وهذا‭ ‬المرسوم‭ ‬السامي‭ ‬إن‭ ‬دل‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬إنما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬رغبة‭ ‬القيادة‭ ‬في‭ ‬تعظيم‭ ‬التمكين‭ ‬للمرأة،‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬أشكال‭ ‬التمييز‭ ‬ضدها،‭ ‬وتوفير‭ ‬مناخ‭ ‬عمل‭ ‬ملائم‭ ‬لإمكاناتها‭ ‬وتطلعاتها‭.‬

كما‭ ‬يأتي‭ ‬هذا‭ ‬المرسوم‭ ‬ليرد‭ ‬الصاع‭ ‬صاعين‭ ‬لم‭ ‬يتشدق‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬بحريات‭ ‬المرأة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تشريع‭ ‬حاسم‭ ‬حاكم‭ ‬يصون‭ ‬مستقبلها‭ ‬ويحمي‭ ‬أسرتها‭ ‬ويقيها‭ ‬شرور‭ ‬الأيام‭ ‬الصعبة‭.‬

في‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬الكبرى‭ ‬يتم‭ ‬التمييز‭ ‬الفادح‭ ‬في‭ ‬الأجور‭ ‬بين‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء،‭ ‬الرجال‭ ‬يحصلون‭ ‬أحيانًا‭ ‬على‭ ‬أضعاف‭ ‬رواتب‭ ‬النساء‭ ‬لمجرد‭ ‬أنهم‭ ‬رجالًا،‭ ‬حتى‭ ‬القوانين‭ ‬الوضعية‭ ‬لا‭ ‬تحمي‭ ‬المرأة‭ ‬من‭ ‬بطش‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭ ‬وظروف‭ ‬الحياة،‭ ‬لكنها‭ ‬تضع‭ ‬نصف‭ ‬المجتمع‭ ‬وأمه‭ ‬ومصدر‭ ‬إلهامه‭ ‬وروعته‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬تشريعي‭ ‬انفرادي‭ ‬لا‭ ‬يصون‭ ‬حقوقها‭ ‬ولا‭ ‬يفي‭ ‬بمتطلباتها‭.‬

ربما‭ ‬يشجعنا‭ ‬هذا‭ ‬المرسوم‭ ‬لكي‭ ‬نفتح‭ ‬ملفات‭ ‬أخرى‭ ‬تخص‭ ‬المرأة‭ ‬البحرينية،‭ ‬ربما‭ ‬تدفعنا‭ ‬مكرمات‭ ‬جلالته‭ ‬إلى‭ ‬الطمع‭ ‬في‭ ‬حضانة‭ ‬قانونية‭ ‬للأم‭ ‬البحرينية‭ ‬على‭ ‬أبنائها‭ ‬من‭ ‬آباء‭ ‬أجانب‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬المحاكم،‭ ‬على‭ ‬أقل‭ ‬تقدير‭ ‬حق‭ ‬الإقامة‭ ‬أو‭ ‬الجنسية‭ ‬لأطفالها،‭ ‬وعلى‭ ‬الأقل‭ ‬لحفظ‭ ‬وصيانة‭ ‬الأخلاق‭ ‬الحميدة‭ ‬التي‭ ‬تربى‭ ‬عليها‭ ‬النشء‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬الغالية،‭ ‬وعلى‭ ‬الأقل‭ ‬لكي‭ ‬نستكمل‭ ‬منظومة‭ ‬التشريعات‭ ‬التي‭ ‬تمنح‭ ‬للمرأة‭ ‬ما‭ ‬تمنحه‭ ‬للرجل،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمساواة‭ ‬في‭ ‬الأجور،‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬بإشراك‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬القرار‭ ‬الذي‭ ‬يخص‭ ‬مستقبل‭ ‬وطنها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حق‭ ‬الترشح‭ ‬والانتخاب‭ ‬وليس‭ ‬أيضًا‭ ‬تجاوزًا‭ ‬للإنجاز‭ ‬الكبير‭ ‬والاستحقاقات‭ ‬الفياضة‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬عليها‭ ‬المرأة‭ ‬وتمكنت‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬وزيرة‭ ‬وقاضية‭ ‬وسفيرة‭ ‬ورئيسة‭ ‬لمجلس‭ ‬النواب‭ ‬وللجمعيات‭ ‬المهنية‭ ‬والمجتمعية‭ ‬المختلفة،‭ ‬إنما‭ ‬أيضًا‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بحياتها‭ ‬الخاصة،‭ ‬بمستقبل‭ ‬أبنائها،‭ ‬بحريتها‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬شريك‭ ‬حياتها‭.‬

إن‭ ‬المرسوم‭ ‬بقانون‭ ‬الذي‭ ‬أصدره‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬الأربعاء‭ ‬الماضي‭ ‬يعزز‭ ‬الاستقرار‭ ‬المجتمعي‭ ‬في‭ ‬مملكتنا‭ ‬الحبيبة‭ ‬البحرين‭ ‬ويضيف‭ ‬قيمة‭ ‬مضافة‭ ‬استباقية‭ ‬على‭ ‬مجتمعات‭ ‬أخرى‭ ‬تتشدق‭ ‬بحقوق‭ ‬المرأة‭ ‬وحرياتها،‭ ‬بوضع‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬ووضعهن‭ ‬ضمن‭ ‬المنظومة‭ ‬الأسرية‭ ‬العريضة‭.‬

لقد‭ ‬جاء‭ ‬المشروع‭ ‬الإصلاحي‭ ‬الكبير‭ ‬لصاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك،‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬2001،‭ ‬ليكتب‭ ‬تاريخًا‭ ‬جديدًا‭ ‬للبحرين،‭ ‬ليضع‭ ‬مملكتنا‭ ‬الخالدة‭ ‬في‭ ‬مكانة‭ ‬بعيدة‭ ‬تمامًا‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬عليها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬وتشريعاته‭ ‬المتتابعة‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬منع‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬المرأة‭ ‬والرجل‭ ‬في‭ ‬الأجور‭ ‬بمؤسسات‭ ‬القطاع‭ ‬الأهلي‭ ‬إنما‭ ‬جاء‭ ‬ليضع‭ ‬حجر‭ ‬أساس‭ ‬جديد‭ ‬ضمن‭ ‬بنيان‭ ‬مرصوص‭ ‬لتحقيق‭ ‬العدالة،‭ ‬ومنح‭ ‬الحقوق،‭ ‬وسد‭ ‬الثغرات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتسلل‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الخبثاء،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬البحرين‭ ‬ضمن‭ ‬دستورها‭ ‬وميثاقها‭ ‬الوطني‭ ‬لا‭ ‬تفرق‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬اللون‭ ‬أو‭ ‬العرق،‭ ‬أو‭ ‬الجنس،‭ ‬أو‭ ‬الدين،‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬سياسات‭ ‬متعاقبة‭ ‬تبني‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬فات،‭ ‬وتزيد‭ ‬عليه‭ ‬“طوبة‭ ‬طوبة”،‭ ‬حتى‭ ‬يكتمل‭ ‬البناء‭ ‬المجتمعي‭ ‬للبحرين‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬متين‭ ‬راسخ،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬المرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬تستحق‭ ‬الكثير‭ ‬فتاريخها‭ ‬المشرف‭ ‬في‭ ‬الكفاح‭ ‬والاجتهاد،‭ ‬ووقوفها‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬السنين‭ ‬منذ‭ ‬عصور‭ ‬الغوص‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬زوجها،‭ ‬ترعى‭ ‬بيتها،‭ ‬تربي‭ ‬أبنائها،‭ ‬وتكد‭ ‬وتكدح‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬توفير‭ ‬متطلبات‭ ‬الحياة‭ ‬الكريمة‭ ‬لهم‭.‬

ويأتي‭ ‬هذا‭ ‬المرسوم‭ ‬السامي‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬مليكنا‭ ‬الغالي‭ ‬ليضع‭ ‬لبنة‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬تقدم‭ ‬وازدهار‭ ‬الوطن،‭ ‬ويحقق‭ ‬أملًا‭ ‬بعيدًا‭ ‬للمرأة‭ ‬والرجل‭ ‬معًا،‭ ‬حيث‭ ‬المساواة‭ ‬في‭ ‬الأجور‭ ‬بين‭ ‬الاثنين‭ ‬دعم‭ ‬لحياة‭ ‬الأسرة‭ ‬البحرينية‭ ‬وتقوية‭ ‬لأواصر‭ ‬المحبة‭ ‬والوئام‭ ‬بين‭ ‬أفرادها،‭ ‬شكرًا‭ ‬لك‭ ‬يا‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة،‭ ‬ألف‭ ‬شكر‭.‬