مُلتقطات

“علي الصافي”... هذا ما صنعته بي كورونا!

| د. جاسم المحاري

الجميع‭ ‬يتأمل‭ ‬بإلحاحٍ‭ ‬انتهاء‭ ‬حقبة‭ ‬“كورونا”‭ ‬الأليمة‭ ‬سريعاً‭ ‬واعتبارها‭ ‬حُقبة‭ ‬ماضية‭ ‬بعدما‭ ‬أُشبعت‭ ‬مخيلته‭ ‬بتلك‭ ‬المشاهد‭ ‬التي‭ ‬“انغمر”‭ ‬بها‭ ‬وجدانه‭ ‬عن‭ ‬مناظر‭ ‬تساقط‭ ‬المرضى‭ ‬المرعبة‭ ‬على‭ ‬أسرّة‭ ‬المُعالجة‭ ‬وأجهزة‭ ‬التنفس‭ ‬الاصطناعي‭ ‬بمراكز‭ ‬الحجر‭ ‬الصحي‭ ‬والمستشفيات‭ ‬الميدانية،‭ ‬أو‭ ‬بمظاهر‭ ‬التشييع‭ ‬والدفن‭ ‬ومحارق‭ ‬الجثث‭ ‬المؤثرة‭ ‬التي‭ ‬سجّلتها‭ ‬ذاكرته،‭ ‬أو‭ ‬بلقطات‭ ‬الطواقم‭ ‬الطبية‭ ‬والخدمات‭ ‬المساندة‭ ‬والمتطوعين‭ ‬التي‭ ‬“تُصارع”‭ ‬أعداد‭ ‬الإصابات‭ ‬للمرضى‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬والعالقين‭ ‬والمقيمين‭ ‬والمهاجرين‭ ‬والمغتربين‭ ‬واللاجئين‭ ‬وسواهم‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬الأثناء،‭ ‬ينصح‭ ‬المتخصصون‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬والتنمية‭ ‬الذاتية،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬تخفيف‭ ‬حدّة‭ ‬هذه‭ ‬المشاعر‭ ‬اللاهبة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الضيف‭ ‬الثقيل‭ - ‬بما‭ ‬يتضمنّه‭ ‬من‭ ‬آلام‭ ‬موجعة‭ ‬ومتاعب‭ ‬جمّة‭ ‬غزت‭ ‬الأبدان‭ ‬وأقضّت‭ ‬المضاجع‭ ‬وصيّرت‭ ‬التعقيم‭ ‬والكمامات‭ ‬والقفازات‭ ‬والبخاخات‭ ‬المُطهرة‭ ‬مُلازمة‭ ‬لحياة‭ ‬الأفراد‭ ‬والجماعات‭ - ‬بكتابة‭ ‬المذكرات‭ ‬الشخصية‭ ‬لما‭ ‬تتركه‭ ‬من‭ ‬تأثيرٍ‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬الثقة‭ ‬المتينة‭ ‬بالنفس‭ ‬وتفريغ‭ ‬الشحنات‭ ‬السلبية‭ ‬وإعمال‭ ‬العقل‭ ‬وصون‭ ‬الذاكرة‭ ‬من‭ ‬تسلّلات‭ ‬النسيان‭ ‬المُضيّع‭ ‬للمهمّ‭ ‬من‭ ‬الأحداث،‭ ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬استلهام‭ ‬العبر‭ ‬والعظات‭ ‬التي‭ ‬يتعلّم‭ ‬منها‭ ‬الآخرون‭.‬

أحداث‭ ‬القصة‭ ‬التي‭ ‬برز‭ ‬فيها‭ ‬المواطن‭ ‬البحريني‭ ‬“علي‭ ‬الصافي”‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬سترة،‭ ‬تعدّ‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المذكرات‭ ‬التي‭ ‬لن‭ ‬ينساها،‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬أخذت‭ ‬منه‭ ‬مأخذها‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬عذابٍ‭ ‬استُهلّت‭ ‬بتّعبٍ‭ ‬شديدٍ‭ ‬وحرارةٍ‭ ‬مرتفعةٍ‭ ‬وكحّةٍ‭ ‬متواصلةٍ‭ ‬وآلامٍ‭ ‬شديدةٍ‭ ‬وضّيقِ‭ ‬تنفسٍ‭ ‬حتى‭ ‬بلوغ‭ ‬حبكتها‭ ‬بتأكيد‭ ‬إصابته‭ ‬بفيروس‭ ‬“كورونا”‭ ‬اللعين‭! ‬يستطرد‭ ‬الصافي‭ ‬القول‭ ‬إنه‭ ‬أَخَذ‭ ‬الْمَسْحَة‭ ‬السَّرِيعَة‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬نتيجتها‭ ‬سلبية‭ ‬إلا‭ ‬أنّه‭ ‬شعر‭ ‬بِأَلَم‭ ‬وإسْهال‭ ‬بعدها،‭ ‬ما‭ ‬اضطره‭ ‬الذهاب‭ ‬لمركز‭ ‬الفحص‭ ‬بمنطقة‭ ‬المعارض‭ ‬التي‭ ‬أظهرت‭ ‬نتيجته‭ ‬إيجابية‭! ‬وهنا‭ ‬الكارثة‭ ‬على‭ ‬حدّ‭ ‬قوله‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬تسبّب‭ ‬في‭ ‬عدوى‭ ‬جميع‭ ‬أفراد‭ ‬عائلته‭ ‬التي‭ ‬اصطحبها‭ ‬ظهر‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬إلَى‭ ‬المَرْكَز‭ ‬الشَّامِل‭ ‬بمنطقة‭ ‬عَالِي،‭ ‬حتى‭ ‬يبدأ‭ ‬فصل‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الْمَأسَاة‭ ‬بعدما‭ ‬افترق‭ ‬عن‭ ‬عائلته‭ ‬التي‭ ‬أًبقيت‭ ‬بعيدة‭ ‬عنه‭ (‬مُجبرةً‭) ‬في‭ ‬مبنى‭ (‬7‭)‬،‭ ‬بينما‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬مبنى‭ (‬5‭) ‬بعد‭ ‬تفاقم‭ ‬حالته‭ ‬وشعوره‭ ‬بارتفاع‭ ‬شديد‭ ‬في‭ ‬حرارته‭ ‬وتصبّب‭ ‬متواصل‭ ‬للعرق‭ ‬وآلام‭ ‬حادّة‭ ‬في‭ ‬الصَّدْرِ‭ ‬واختناق‭ ‬فِي‭ ‬الْحنْجرةِ؛‭ ‬ما‭ ‬استوجب‭ ‬نقله‭ ‬إلى‭ ‬غرفة‭ ‬خاصة‭ ‬بعدما‭ ‬أُغمي‭ ‬عليه‭ ‬لفترة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬فيها‭ ‬أنْ‭ ‬ينبُس‭ ‬بِكَلِمَةٍ‭ ‬أو‭ ‬تَحْرِيك‭ ‬سَاكِن‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الالتفات‭ ‬يمنةً‭ ‬وَيسَرةً؛‭ ‬ليُسلّم‭ ‬الأمر‭ ‬بعدما‭ ‬تيقّن‭ ‬بمحينه‭ ‬مع‭ ‬تكرار‭ ‬مشهد‭ ‬نقل‭ ‬جثامين‭ ‬المرضى‭ ‬واحداً‭ ‬تلو‭ ‬الآخر‭ ‬يومياً‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬لولا‭ ‬لطف‭ ‬الخالق‭ ‬الرحيم‭.‬

نافلة‭: ‬

بلا‭ ‬ريب،‭ ‬تجربة‭ ‬الإصابة‭ ‬بكورونا‭ ‬تجعلك‭ ‬شاهدًا‭ ‬حيّاً‭ ‬على‭ ‬تجديد‭ ‬اليقين‭ ‬بعظمة‭ ‬الكبير‭ ‬المتعال‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬المقام‭ ‬وآخره،‭ ‬ومن‭ ‬ثّمّ‭ ‬يرد‭ ‬دور‭ ‬الطواقم‭ ‬الطبية‭ ‬العاملة‭ ‬والكوادر‭ ‬التطوعية‭ ‬المساندة‭ ‬التي‭ ‬ضحّت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬راحة‭ ‬سواها‭ ‬حتى‭ ‬فقد‭ ‬البعض‭ ‬منهم‭ ‬حياته‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السبيل،‭ ‬فلهم‭ ‬منّا‭ ‬عظيم‭ ‬الامتنان‭ ‬وكبير‭ ‬الوقار‭.‬