هل تقوم الحرب؟

| رضي السماك

شهد‭ ‬العالم‭ ‬حربين‭ ‬كونيتين‭: ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬1914‭ ‬حتى‭ ‬1918،‭ ‬والثانية‭ ‬من‭ ‬1939‭ ‬إلى‭ ‬1945؛‭ ‬وبين‭ ‬الحربين‭ ‬تحقق‭ ‬سلام‭ ‬هش‭ ‬لم‭ ‬يدم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬عاماً،‭ ‬ومع‭ ‬أن‭ ‬فترة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬تخللتها‭ ‬منازعات‭ ‬إقليمية‭ ‬عديدة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ - ‬وخصوصا‭ ‬القوتين‭ ‬العظميين‭ ‬أميركا‭ ‬والاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ - ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬تفادي‭ ‬حرب‭ ‬ثالثة،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬المرحلة‭ ‬الراهنة‭ ‬شديدة‭ ‬الاضطراب‭ ‬منذ‭ ‬سقوط‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬ثنائي‭ ‬القطبية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يفضي‭ ‬جدياً‭ ‬إلى‭ ‬اندلاع‭ ‬حرب‭ ‬عالمية‭ ‬ستكون‭ ‬لو‭ ‬حدثت‭ ‬أخطر‭ ‬من‭ ‬الحربين‭ ‬السابقتين؛‭ ‬بالنظر‭ ‬لغياب‭ ‬ضمانات‭ ‬مأمونة‭ ‬بعدم‭ ‬تحولها‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬نووية‭ ‬مدمرة‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬إبادة‭ ‬معظم‭ ‬سكان‭ ‬العالم‭. ‬

ثمة‭ ‬عناصر‭ ‬عديدة‭ ‬ترجح‭ ‬هذه‭ ‬الفرضية‭ ‬أبرزها‭: ‬أولا‭: ‬تفاقم‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وحليفاتها‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وأميركا‭ ‬وحليفاتها‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬خلافات‭ ‬متصاعدة‭ ‬طفحت‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬بين‭ ‬أميركا‭ ‬وحلفائها‭ ‬الغربيين،‭ ‬ناهيك‭ ‬عما‭ ‬طرأ‭ ‬من‭ ‬تصدعات‭ ‬سياسية‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬إثر‭ ‬تداعيات‭ ‬كورونا‭ ‬السياسية‭. ‬

ثانيا‭: ‬تعاظم‭ ‬مخاطر‭ ‬النزاعات‭ ‬الإقليمية،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬تصاعد‭ ‬القلاقل‭ ‬داخل‭ ‬الدول‭ ‬المشاركة‭ ‬فيها،‭ ‬ومن‭ ‬أمثلة‭ ‬ذلك‭ ‬استمرار‭ ‬تدخل‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭ ‬وسوريا‭ ‬عبر‭ ‬أتباعها‭ ‬من‭ ‬قوى‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬الثلاث،‭ ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬تفجر‭ ‬انتفاضة‭ ‬الأحواز‭ ‬العربية‭ ‬الأخيرة‭ ‬وإلقاء‭ ‬طهران‭ ‬تبعيتها‭ ‬على‭ ‬أميركا‭ ‬والغرب؛‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يردده‭ ‬من‭ ‬ورائها‭ ‬أتباعها‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭ ‬لتبرير‭ ‬تخاذلهم‭ ‬عن‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الانتفاضتين‭ ‬الشعبيتين‭ ‬المستمرتين‭ ‬منذ‭ ‬2019‭ ‬في‭ ‬البلدين،‭ ‬والتورط‭ ‬غير‭ ‬المعلن‭ ‬في‭ ‬قمعها‭.‬

ثالثا‭: ‬إقدام‭ ‬الرئيس‭ ‬التونسي‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬مؤخراً‭ ‬على‭ ‬إقالة‭ ‬الحكومة‭ ‬وتجميد‭ ‬البرلمان‭ ‬الذي‭ ‬يترأسه‭ ‬زعيم‭ ‬حزب‭ ‬“النهضة”‭ ‬الإخواني‭ ‬راشد‭ ‬الغنوشي؛‭ ‬ورفع‭ ‬الحصانة‭ ‬عن‭ ‬نوابه،‭ ‬وإمعان‭ ‬أطراف‭ ‬إقليمية‭ ‬ودولية‭ - ‬وعلى‭ ‬الأخص‭ ‬تركيا‭ ‬وقطر‭ ‬وإيران‭ - ‬بالتدخل‭ ‬السافر‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬تونس‭ ‬الداخلية‭ ‬بغية‭ ‬خلق‭ ‬أزمة‭ ‬داخلية‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬الرئيس‭ ‬للتراجع‭ ‬أو‭ ‬حمله‭ ‬على‭ ‬الاستقالة‭. ‬

والحال‭ ‬أن‭ ‬القوى‭ ‬والأحزاب‭ ‬والدول‭ ‬المسالمة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬مطالبة‭ ‬اليوم‭ ‬بتكثيف‭ ‬جهودها‭ ‬لإقامة‭ ‬جبهة‭ ‬سياسية‭ ‬عالمية‭ ‬لتجنيب‭ ‬العالم‭ ‬وقوعه‭ ‬في‭ ‬محرقة‭ ‬عالمية‭ ‬نووية‭ ‬ثالثة‭.‬