الذكاء الاصطناعي وقيم المجتمعات

| م. نبيل بن عبدالرحمن آل محمود

الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬هو‭ ‬نظام‭ ‬يهدف‭ ‬لإدراك‭ ‬طبيعة‭ ‬الذكاء‭ ‬الإنساني‭ ‬ثم‭ ‬تحويل‭ ‬ذاك‭ ‬الإدراك‭ ‬لآلات‭ ‬تحاكي‭ ‬السلوك‭ ‬الإنساني‭ ‬المتصف‭ ‬بالتفكير‭ ‬المنطقي‭ ‬والذكاء‭. ‬ويعد‭ ‬التعلم‭ ‬الذكي‭ ‬وجها‭ ‬من‭ ‬أوجه‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي؛‭ ‬لكونه‭ ‬يمنح‭ ‬الآلات‭ ‬إمكانية‭ ‬التعلم‭ ‬باستخدام‭ ‬“خوارزميات”‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬العمليات‭ ‬المتراكمة،‭ ‬واكتشاف‭ ‬الأنماط‭ ‬المختلفة‭ ‬وتوليد‭ ‬الأفكار‭ ‬المتجانسة‭ ‬اعتمادا‭ ‬على‭ ‬البيانات‭ ‬المعروضة‭ ‬عليها‭ ‬لتغذيها‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬صنع‭ ‬القرارات‭ ‬الآنية،‭ ‬وتكوين‭ ‬التنبؤات‭ ‬المستقبلية‭ ‬وذلك‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬لبرمجة‭ ‬تلك‭ ‬الخطوات‭ ‬بآلية‭ ‬منفردة‭ ‬لكل‭ ‬إجراء‭ ‬على‭ ‬حدة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المطور‭.‬

ومعلوم‭ ‬أن‭ ‬الثورة‭ ‬الرقمية‭ ‬“Digital Smart Revolution”‭ ‬التي‭ ‬نعيشها‭ ‬حاليا‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬3‭ ‬أعمدة‭ ‬أساسية‭ ‬هي‭: ‬إنترنت‭ ‬الأشياء،‭ ‬البيانات‭ ‬الضخمة‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭. ‬وقد‭ ‬عايشنا‭ ‬انتشار‭ ‬لغات‭ ‬برمجية‭ ‬وأنظمة‭ ‬متطورة‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬تحول‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬الإنسان‭ ‬بتلك‭ ‬الأنظمة‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬محيطها‭ ‬عبر‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬مناسبة‭ ‬دون‭ ‬برمجة‭ ‬مسبقة،‭ ‬بل‭ ‬صاحَب‭ ‬ذلك‭ ‬أنظمة‭ ‬متطورة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬محيطها‭ ‬باستقلالية‭ ‬تامة‭ ‬دون‭ ‬تدخل‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬وصفها‭ ‬بالأنظمة‭ ‬الذكية‭ ‬لما‭ ‬تتمتع‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬ذكاء‭ ‬اصطناعي‭ ‬حل‭ ‬محل‭ ‬ذكاءه‭ ‬البشري‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬عديدة‭. ‬

من‭ ‬هنا‭ ‬فرض‭ ‬مفهوم‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات‭ ‬وانعكس‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬نستخدمه‭ ‬يوميا‭ ‬كالهواتف‭ ‬الذكية‭ ‬والحواسيب‭ ‬وألعاب‭ ‬الفيديو‭ ‬وما‭ ‬شاكل،‭ ‬بل‭ ‬غدا‭ ‬من‭ ‬المسلمات‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬الأجهزة‭ ‬والبرامج‭ ‬المعلوماتية‭ ‬الذكية‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬القدرة‭ ‬التحويلية‭ ‬للذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬خلقت‭ ‬تحديات‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬التعاطي‭ ‬معها‭ ‬من‭ ‬البداية،‭ ‬مثل‭ ‬تحدي‭ ‬الثقـة‭ ‬والمخاطر‭ ‬الأمنية،‭ ‬والتمييز‭ ‬في‭ ‬التوظيف،‭ ‬والتعرف‭ ‬على‭ ‬الوجوه،‭ ‬ومقاطع‭ ‬الفيديو‭ ‬المزيفة‭ ‬باستخدام‭ ‬تقنية‭ ‬“Deep Fake”،‭ ‬وانتهاك‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬الأساسية‭ ‬من‭ ‬الخصوصية‭ ‬وسرية‭ ‬البيانات‭ ‬إلى‭ ‬حرية‭ ‬الاختيار‭ ‬وحرية‭ ‬الضمير‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يعد‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬عاملا‭ ‬أساسيا‭ ‬للتطور‭ ‬البشري‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهل‭ ‬ما‭ ‬يقدمه‭ ‬للبشر‭ ‬ولقطاعات‭ ‬الأعمال‭ ‬من‭ ‬خدمات‭ ‬بمختلف‭ ‬الأصعدة‭ ‬سواء‭ ‬الشخصية‭ ‬باحتياجاتها‭ ‬المتفاوتة‭ ‬أو‭ ‬التعليمية‭ ‬والطبية‭ ‬والتجارية‭ ‬والصناعية‭ ‬والخدمية،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الابتكارات‭ ‬التطويرية‭ ‬الموجهة‭ ‬بالذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القطاعات‭ ‬تهدف‭ ‬أساسا‭ ‬إلى‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬أرواح‭ ‬البشر‭ ‬كاستخدام‭ ‬الروبوت‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬الشاقة‭ ‬ومرتفعة‭ ‬الحرارة‭ ‬كالمصاهر‭ ‬والمناجم‭ ‬وعالية‭ ‬الخطورة‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬كالميادين‭ ‬العسكرية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬متابعة‭ ‬الحالات‭ ‬الصحية‭ ‬للمرضى‭ ‬وتيسير‭ ‬مساعدة‭ ‬ذوي‭ ‬الهمم‭.‬

وبما‭ ‬أن‭ ‬تطوير‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬بات‭ ‬حتميا‭ ‬لديمومة‭ ‬الازدهار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬فقد‭ ‬بات‭ ‬حتميا‭ ‬تفادي‭ ‬سلبياته‭ ‬وتهديداته‭ ‬وتطوير‭ ‬آلية‭ ‬تنظيمية‭ ‬أخلاقية‭ ‬تحكم‭ ‬عمل‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬وتحدد‭ ‬وظائفه‭ ‬وتحافظ‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬البشر‭ ‬الأساسية‭ ‬وتشجع‭ ‬الابتكار‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬الصديق‭ ‬للإنسان،‭ ‬فالمؤشرات‭ ‬تدلل‭ ‬على‭ ‬تفوق‭ ‬الآلة‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬وهضم‭ ‬حقوقه‭. ‬لذا‭ ‬عملت‭ ‬“اليونسكو”‭ ‬مع‭ ‬شركائها‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬إعداد‭ ‬“وثيقة‭ ‬تقنينية‭ ‬عالمية‭ ‬لأخلاقيات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي”؛‭ ‬لضمان‭ ‬تكوين‭ ‬منظومة‭ ‬قيمية‭ ‬تحكم‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬وتتضمن‭ ‬قيمًا‭ ‬أخلاقية‭ ‬ومبادئ‭ ‬توجيهية‭ ‬مشتركة‭ ‬بين‭ ‬المجتمعات‭ ‬كمعايير‭ ‬مرجعية‭ ‬مثل‭:‬‭ ‬الشفافية،‭ ‬العدالة‭ ‬والإنصاف،‭ ‬منع‭ ‬الضرر،‭ ‬المسؤولية،‭ ‬حماية‭ ‬البيانات‭ ‬والخصوصية‭.‬